وقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ) أي : الملك الأعظم الذي لا نعبد إلا إياه ، (الرَّحْمنِ) أي : الذي عمّ بنعمتي إيجاده وبيانه جميع خلقه أسفله وأعلاه أدناه وأقصاه (الرَّحِيمِ) أي : الذي خص من بينهم أهل ودّه برضاه ، آية من الفاتحة وعليه قرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما وابن المبارك والشافعيّ وقيل : ليست منها وعليه قرّاء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤهما والأوزاعيّ ومالك. ويدلّ للأوّل ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم «عدّ الفاتحة سبع آيات وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية منها» (١) ، رواه البخاري في «تاريخه» ، وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم ، إنها أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» (٢) وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها : «أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم عدّ بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين إلى آخرها ست آيات» (٣) وآية من كل سورة إلا براءة لإجماع الصحابة على إثباتها في المصحف بخطه أوائل السور سوى براءة مع المبالغة في تجريد القرآن عن الأعشار وتراجم السور والتعوّذ حتى لم تكتب آمين فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك ؛ لأنه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا وأيضا هي آية من القرآن في سورة النمل قطعا ، ثم إنا نراها مكرّرة بخط القرآن فوجب أن تكون منه كما أنّا لما رأينا قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن ، الآيات : ١٣ ـ ١٦ ـ ١٨] وقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات ، ٢٧] [المطففين ، ١٠] مكرّرا في القرآن بخط واحد وبصورة واحدة ، قلنا : إن الكل من القرآن.
فإن قيل : لعلها ثبتت للفصل ، أجيب : بأنه يلزم عليه اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا ولثبتت في أوّل براءة ولم تثبت في أوّل الفاتحة.
فإن قيل : القرآن إنما يثبت بالتواتر ، أجيب : بأنّ محله فيما ثبت قرآنا قطعا أمّا ما يثبت قرآنا حكما فيكفي فيه الظنّ كما يكفي في كل ظنّي خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني ، وأيضا إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر ، وأيضا قد يثبت التواتر عند قوم دون آخرين.
فإن قلت : لو كانت قرآنا لكفر جاحدها ، أجيب : بأنها لو لم تكن قرآنا لكفر مثبتها وأيضا التكفير لا يكون بالظنيات وقد أو ضحت ذلك مع زيادة في شرحي «التنبيه» و «المنهاج» ، أما براءة فليست البسملة آية منها بإجماع.
فائدة : ما أثبت في المصحف الآن من أسماء السور والأعشار شيء ابتدعه الحجاج في زمنه.
والباء في بسم الله متعلقة بمحذوف تقديره بسم الله أقرأ لأنّ الذي يتلوه مقروء إذ كل فاعل يبدأ في فعله باسم الله يضمر ما يجعل التسمية مبدأ له كما أنّ المسافر إذا حل أو ارتحل فقال : بسم الله الرحمن الرحيم كان المعنى بسم الله أحل بسم الله أرتحل وذلك أولى من أن يضمر أبدأ لعدم ما يطابقه ، وما يدل عليه ومن أن يضمر ابتدائي لما ذكرنا.
فإن قيل : المصدر لا يعمل محذوفا ، أجيب : بأنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما وتقديره مؤخرا كما قال الإمام الرازي أولى كما في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
__________________
(١) أخرجه ابن كثير في تفسيره ١ / ١٠.
(٢) أخرجه الدارقطني في سننه ١ / ٣١٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٢ / ٤٥.
(٣) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه حديث ٤٩٣.