وجل بي حلفت لا يقرأكنّ أحد دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان فيه ولأسكننه حظيرة قدسي ولأنظرن إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرّة ولأقضينّ له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعيذنه من كل عدوّ وحاسد ولأنصرنه منه» (١).
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) يوالونهم. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار يرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه الآية ونهى المؤمنين أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر وقوله تعالى : (مِنْ دُونِ) أي : غير (الْمُؤْمِنِينَ) إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأنّ في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : يوالي الكفرة (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أي : من ولاية الله (فِي شَيْءٍ) يصح أن يسمى ولاية شرعية فإنّ ولاية المتعاديين لا يجتمعان لما بينهما من التضاد كما قال القائل (٢) :
فليس أخي من ودّني رأي عينه |
|
ولكن أخي من ودّني في المغايب |
تودّ عدوّي ثم تزعم أنني |
|
صديقك ليس النوك عنك بعازب |
بعين مهملة وزاي أي : بغائب والنوك بضم النون الحمق والجنون ثم استثنى فقال : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) أي : إلا أن تخافوا منهم مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب كما قال عيسى عليه الصلاة والسّلام : كن وسطا ـ أي : في معاشرتهم ومخالفتهم ـ وامش جانبا ـ أي : من موافقتهم فيما يأمرون ويذرون ـ وهذا قبل عزة الإسلام ويجري في بلد ليس قويا فيها ، قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في بدء الإسلام قبل استحكام الدين وقوّة المسلمين وأمّا اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوّهم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ) أي : يخوّفكم (نَفْسَهُ) أن يغضب عليكم إن واليتموهم (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي : المرجع فيجازيكم فلا تتعرّضوا للسخط بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي عنه في القبح وذكر النفس ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه فلا يبالي عنده بما يحذر من الكفرة.
(قُلْ) لهم يا محمد (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) أي : قلوبكم من موالاة الكفار أو غيرها بما لا يرضى الله (أَوْ تُبْدُوهُ) أي : تظهروه (يَعْلَمْهُ اللهُ) ويحفظه عليكم حتى يجازيكم به وقال الكلبيّ : إن تسرّوا ما في قلوبكم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من التكذيب أو تظهروه بحربه وقتاله يعلمه الله (وَ) هو الذي (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لا يخفى عليه منه شيء قط فلا يخفى عليه سرّكم وعلانيتكم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو قادر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه وهذا بيان لقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) لأنّ نفسه متصفة بعلم ذاتي يحيط بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعمّ المقدورات بأسرها فلا تعصوه إذ ما من معصية إلا وهو مطلع عليها لا محالة قادر على العقاب بها ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله بأن يوكل من يتجسس عن مواطن أموره لأخذ حذره منه كل الحذر فما بال من علم أن العالم الذي يعلم السر وأخفى
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ١ / ١٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٥٠٥٦ ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ١٢٢.
(٢) البيتان بلا نسبة في المستطرف ١ / ٢٧٣.