عند معارضتها ، ونقضه الإمام الرازي بأنها لو كانت اسما لها لوجب اشتهارها بها وقد اشتهرت بغيرها كسورة البقرة وآل عمران وقيل : أسماء للقرآن قاله قتادة. والحكمة في الإتيان بهذه الأحرف الثلاثة أنّ الألف من أقصى الحلق وهو مبدأ المخارج ، واللام من طرف اللسان وهو وسطها ، والميم من الشفة وهي آخرها ، جمع الله تعالى بينها إيماء إلى أنّ العبد ينبغي أن يكون أوّل كلامه وأوسطه وآخره ذكر الله تعالى ولما تكاثر وقوع الألف واللام في تراكيب الكلام جاءتا في معظم الفواتح مكرّرتين وهي فواتح سورة البقرة وأوّل آل عمران والأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة.
فإن قيل : هلا عددت هذه الأحرف بأجمعها في أوائل القرآن وما لها جاءت مفرّقة على السور؟ ، أجيب : بأنّ إعادة التنبيه على أنّ المتحدّى به مؤلف منها لا غير وتجديده في غير موضع واحد أوصل إلى الغرض وأقرّ له في الإسماع والقلوب من أن يفرد ذكره مرّة ، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرّر في النفوس وتقريره.
فإن قيل : هلا جاءت على وتيرة واحدة ولم اختلفت أعداد حروفها فوردت ص وق ون على حرف ، وطه وطس ويس وحم على حرفين ، وألم وألر وطسم على ثلاثة أحرف ، وألمص وألمر على أربعة أحرف ، وكهيعص وحمعسق على خمسة أحرف؟ أجيب : بأنّ هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرّفهم فيه على طرق شتى ومذاهب عدّة ، وكما أنّ أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك سلك بهذه الفواتح تلك المسالك.
فإن قيل : ما وجه اختصاص كل سورة بالفاتحة التي اختصت بها؟ أجيب : بأنه لما كان الغرض هو التنبيه والمبادي كلها في تأدية هذا الغرض سواء لا مفاضلة كان تطلب وجه الاختصاص ساقطا كما إذا سمى الرجل بعض أولاده زيدا والآخر عمرا لم يقل له : لم خصصت ولدك هذا بزيد وذاك بعمرو؟ لأنّ الغرض هو التمييز وهو حاصل بذلك.
فإن قيل : هل لهذه الفواتح محل من الإعراب؟ أجيب : بأنّ لها محلا عند من جعلها أسماء لأنها عنده كسائر الأعلام محلها يحتمل ثلاثة أوجه : إمّا الرفع بأنها مبتدأ أو خبر لمبتدأ محذوف أي : هذه ألم ، أو النصب بفعل مقدّر كاذكر أو اقرأ أو اتل ألم ، أو الجرّ بتقدير حذف حرف القسم.
(ذلِكَ الْكِتابُ) الذي تقرؤه يا محمد على الناس (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك في أنه من عند الله تعالى.
فإن قيل : لم صحت الإشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد؟ أجيب : بأن الإشارة وقعت فيه للتعظيم ولذلك قال الطيبي : أحسن ما قيل في توجيه ذلك قول صاحب «المفتاح» قال ذلك الكتاب ذهابا إلى بعده درجة وقيل : وقعت الإشارة إلى (الم) بعد ما سبق التكلم به وتقضى ، والمنقضي في حكم المتباعد ، وهذا في كل كلام يحدّث الرجل بحديث ثم يقول : وذلك ما لا شك فيه ويحسب الحاسب ثم يقول : فذلك كذا وكذا وقال تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة ، ٦٨] وقال نبي الله يوسف صلىاللهعليهوسلم : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف ، ٣٧] ولأنه لما وصل من المرسل سبحانه وتعالى إلى المرسل إليه صلىاللهعليهوسلم وقع في حدّ البعد كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئا : احتفظ بذلك أي : تمسك به ، وقيل : معناه ذلك