الأمانة ؛ لأنّ المراد من الأمانة الرضا بالذمّة وقوله تعالى :
(بَلى) إثبات لما نفوه أي : بلى على اليهود في الأمّيين سبيل ثم ابتدأ فقال : (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) أي : ولكن من أوفى بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن وأداء الأمانة (وَاتَّقى) الله بترك المعاصي وفعل الطاعات (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي : يحبهم بمعنى يثيبهم.
فإن قيل : فأين الضمير الراجع من الخبر إلى من؟ أجيب : بأنّ عموم المتقين قام مقام رجوع الضمير.
ونزل في أحبار من اليهود حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وحكم الأمانة وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) أي : يستبدلون (بِعَهْدِ اللهِ) إليهم في الإيمان للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والوفاء بأداء الأمانة (وَأَيْمانِهِمْ) أي : حلفهم به تعالى كاذبا من قولهم : والله لنؤمننّ ولننصرنه (ثَمَناً قَلِيلاً) من الدنيا (أُولئِكَ لا خَلاقَ) أي : لا نصيب (لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) أي : بما يسرّهم أو بشيء أصلا وأنّ الملائكة يسألونهم يوم القيامة (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) أي : ولا يرحمهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي : ولا يثني عليهم بالجميل ولا يطهرهم من الذنوب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم وقيل : نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به وقيل : نزلت في جماعة من اليهود جاؤوا إلى كعب بن الأشرف في سنة أصابتهم ممتارين فقال لهم : أتعلمون أنّ هذا الرجل رسول الله قالوا : نعم قال : لقد هممت أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا فقالوا : لعله اشتبه علينا فرويدا حتى نلقاه فانطلقوا فكتبوا صفة غير صفته ثم رجعوا إليه وقالوا : لقد غلطنا وليس هو بالنعت الذي نعت لنا ففرح ومارهم ، وعن الأشعث بن قيس : «نزلت فيّ كان بيني وبين رجل خصومة في بئر وأرض ، فاختصمنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : شاهداك أو يمينه فقلت : إذا يحلف ولا يبالي فقال : من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك هذه الآية» (١).
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قال : فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث مرّات فقال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال : «المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (٢) وفي رواية المسبل إزاره ، وعن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم رجل حلف على يمين على مال مسلم فاقتطعه ، ورجل حلف يمينا بعد صلاة العصر أنه أعطى بسلعته أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل منع فضل ماء ، فإنّ الله تعالى يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» (٣).
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرهن حديث ٢٥١٦ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٣٨.
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٠٦ ، وأبو داود في اللباس حديث ٤٠٨٧ ، والترمذي في البيوع حديث ١٢١١ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٥٦٣ ، وابن ماجه في التجارات حديث ٢٢٠٨.
(٣) أخرجه البخاري في المساقاة حديث ٢٣٦٩.