وهما لغتان فصيحتان ومعناهما واحد وقوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ) أي : الحج أو البيت (سَبِيلاً) أي : طريقا بدل من الناس مخصص له «وفسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة» رواه الحاكم وغيره (وَمَنْ كَفَرَ) أي : بما فرضه الله من الحج أو كفر بالله (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) أي : الإنس والجنّ والملائكة وعن عبادتهم وقيل : وضع كفر موضع لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» (١) رواه الترمذي وضعفه ونحوه في التغليظ : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢).
تنبيه : في هذه الآية أنواع من التأكيد والتشديد على طلب الحج منها قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) أي : أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عهدته ومنها أنه ذكر الناس ثم إنه أبدل منه من استطاع إليه سبيلا وفيه ضربان من التوكيد : أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد وتكرير له ، والثاني أنّ الايضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين ومنها ذكر الاستغناء وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان ومنها قوله : عن العالمين ولم يقل عنه وفيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان ؛ لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة ولأنه يدل على الاستغناء الكامل ، فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه وعن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود فإنهم قالوا : الحج إلى مكة غير واجب.
وروي أنه لما نزل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال : «إنّ الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل وهم المشركون واليهود والنصارى والصابئون والمجوس ، قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فنزل : ومن كفر إلخ». وعنه صلىاللهعليهوسلم : «حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرّتين ويرفع في الثالثة» (٣).
وروي : «حجوا قبل أن لا تحجوا ، حجوا قبل أن يمنع البرّ جانبه» (٤) ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : «حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت» (٥) أي : ماتت.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) الدالة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أنّ كفرهم أقبح وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل فهم كافرون بهما (وَاللهُ شَهِيدٌ) أي : والحال إنّ الله تعالى شهيد (عَلى ما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) أي : تصرفون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإسلام (مَنْ آمَنَ) بتكذيبكم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكتمكم نعته ، وكانوا يفتنون
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الحج حديث ٨١٢.
(٢) أخرجه الترمذي في الإيمان حديث ٢٦٢١.
(٣) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ١١١٠.
(٤) انظر الحاشية السابقة.
(٥) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٢٩ ، والحافظ المناوي في فيض القدير ٣٦٨٤.