مال جعل لها حظا من الإرث وأبطل حرمان الجاهلية لها.
فإن قيل : هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر؟ أجيب : بأنه إنما بدأ ببيان حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ؛ ولأنّ قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) قصد إلى بيان فضل الذكر وقولك : للأنثيين مثل حظ الذكر قصد إلى بيان نقص الأنثى وما كان قصدا إلى بيان فضله كان أدل على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ؛ ولأنهم كانوا يورّثون الرجال دون النساء والصبيان ، وكان في ابتداء الإسلام بالمحالفة قال تعالى : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) [النساء ، ٣٣] ثم صارت الوراثة بالهجرة قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال ، ٧٢] ثم نسخ ذلك كله بالآية الكريمة ، واختلف في سبب نزولها ، فعن جابر أنه قال : «جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت فقلت : يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة» (١) فنزلت ، وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أمّ كحة امرأة أوس بن ثابت وبناته. وقال عطاء : استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد ، وترك امرأة وبنتين وأخا ، فأخذ الأخ المال ، فأتت امرأة سعد إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بابنتي سعد فقالت : يا رسول الله إنّ هاتين ابنتا سعد وإن سعدا قتل يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما ، ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال صلىاللهعليهوسلم : «ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك» فنزلت ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمهما وقال : «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمّهما الثمن وما بقي فهو لك» (٢) فهذا أوّل ميراث قسم في الإسلام ، وكأنه قيل : كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث ، ولا يضارون في حظهنّ حتى يحرمن مع إدلائهنّ مع القرابة مثل ما يدلون به.
فإن قيل : حظ الأنثيين الثلثان فكأنه قيل للذكر الثلثان؟ أجيب : بأنّ المراد حالة الاجتماع كما مرّ أما في حالة الانفراد فالابن يأخذ المال كله ، والبنتان يأخذان الثلثين والدليل على أنّ الغرض حكم الاجتماع أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله تعالى : (فَإِنْ كُنَ) أي : إن كان الأولاد (نِساءً) خلصا ليس معهنّ ذكر ، وأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات وقوله تعالى : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) خبر ثان أو صفة لنساء أي : نساء زائدات على اثنتين.
فإن قيل : قوله تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد لا لبيان حظ الأنثيين ، فكيف صح أن يردف قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وهو لبيان حظ الإناث؟ أجيب :
بأنه وإن كان مسوقا لبيان حظ الذكر إلا أنه لما علم منه حظ الأنثيين مع أخيهما كان كأنه مسوق للأمرين جميعا فلذلك صح أن يقال : فإن كنّ نساء (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أي : المتوفى منكم ويدل عليه المعنى (وَإِنْ كانَتْ) أي : المولودة (واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وقرأ نافع واحدة بالرفع على كان التامّة ، والباقون بالنصب على كان الناقصة.
واختلف في ميراث الأنثيين فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : حكمهما حكم الواحدة ؛ لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما ، وقال الباقون : حكمهما حكم ما فوقهما ؛ لأنه تعالى لما بين أنّ حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى ، وهو الثلثان ، اقتضى ذلك أنّ فرضهما الثلثان ثم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الوضوء حديث ١٩٤ ، ومسلم في الفرائض حديث ١٦١٦ ، وأبو داود في الفرائض حديث ٢٨٨٦ ، والترمذي في الفرائض حديث ٢٠٩٧ ، وابن ماجه في الفرائض حديث ٢٧٢٨.
(٢) أخرجه الترمذي في الفرائض حديث ٢٠٩٢ ، وابن ماجه في الفرائض حديث ٢٧٢٠.