(أَصابِعَهُمْ) أي : أناملها وإنما أطلق الأصابع موضع الأنامل للمبالغة لما في ذلك من الإشعار بدخول أصابعهم فوق المعتاد فرارا من شدّة الصوت (فِي آذانِهِمْ) وقوله : (مِنَ الصَّواعِقِ) متعلق بيجعلون أي : من أجلها يجعلون وهو جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه ويقال لكل عذاب مهلك : صاعقة وقيل : الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء. روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله تعالى عنهم : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال : «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» (١). وأمال الدوريّ عن الكسائي الألف التي بعد الذال في آذانهم إمالة محضة ، والباقون بالفتح. وقوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ) نصب على العلة كقول الشاعر (٢) :
واغفر (أي : أستر) عوراء الكريم ادخاره |
|
وأعرض عن شتم اللئيم تكرما |
قال البيضاوي : والموت زوال الحياة ، زاد في «الطوالع» : عما من شأنه الحياة وفيه تساهل إذ يلزم منه أن يكون الجنين قبل حلول الحياة فيه ميتا ، والأظهر كما في «شرح المواقف» أن يقال : عدم الحياة عما اتصف بها بالفعل فبينهما تقابل العدم والملكة على التفسيرين ، وقيل : عرض يضادّها فبينهما تقابل التضاد لقوله تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك ، ٢] فجعل الموت مخلوقا والعدم لا يخلق وردّ بأنّ الخلق بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد والإعدام مقدّرة ولو سلم بأنه بمعنى الإيجاد فالمعنى خلق أسباب الموت والحياة وبذلك علم أنّ القول الأوّل هو المعتمد وكلام أئمة اللغة طافح به وحاصله أنّ الموت مفارقة الروح الجسد وما ورد في الأحاديث من أنه جسم ، حيث قيل في بعضها : إنه كبش ، وفي بعضها : إنه على صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات فمؤوّل بأنه لم يقصد بالموت فيها حقيقته بل قصد أنه يصوّر بصورة كبش كما في خبر الشيخين وغيرهما «أنه يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار» (٣) إلخ ... (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) علما وقدرة فلا يفوتونه كما لا يفوت المحاط ، به المحيط لا يخلصهم الخداع والحيل ، وقيل : مهلكم دليله قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف ، ٦٦] أي : تهلكوا ، والجملة اعتراضية لا محل لها ، قال أبو حيان : لأنها دخلت بين هاتين الجملتين ، وهما يجعلون أصابعهم ويكاد البرق وهما من قصة واحدة ، ويميل ورش الألف بعد الكاف بين بين وكذا الكافرين حيث جاء ، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالإمالة المحضة فيهما حيث جاء ، والباقون بالفتح.
(يَكادُ الْبَرْقُ) يقرب لأن كاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لحصول سببه لكنه لم يوجد إما لفقد شرط أو لعروض مانع وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلا مضارعا تنبيها على أنه المقصود بالقرب (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) يختلسها ، والخطف : الأخذ بسرعة (كُلَّما أَضاءَ
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٣٤٥٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٠٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٣٦٢ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٢٨٦.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥ ، والكتاب ١ / ٣٦٨ ، ولسان العرب (عور) ، واللمع ص ١٤١.
(٣) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٧٣٠ ، ومسلم في الجنة حديث ٢٨٤٩ ، والترمذي في التفسير حديث ٣١٥٦.