شرع في العصر في اليوم الأوّل حينئذ قاله الشافعيّ رضي الله تعالى عنه نافيا به اشتراكهما في وقت ويدل له خبر مسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر ، ونزل لما بعث صلىاللهعليهوسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات :
(وَلا تَهِنُوا) أي : تضعفوا (فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) أي : في طلب أبي سفيان وأصحابه (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) أي : تتوجعون من ألم الجراح (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ) أي : يتوجعون من الجراح (كَما تَأْلَمُونَ) ولم يجبنوا عن قتالكم فلا تجبنوا عن قتالهم (وَتَرْجُونَ) أنتم (مِنَ اللهِ) من النصر والثواب على جهادكم (ما لا يَرْجُونَ) هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فيجب أن تكونوا أرغب منهم في الحرب وأصبر عليها (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأعمالكم وضمائركم (حَكِيماً) أي : فيما يأمر وينهى.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي : القرآن وقوله تعالى : (بِالْحَقِ) متعلق بأنزل (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ) الله أي : عرفك وأوحى به إليك وليس أرى من الرؤية بمعنى العلم وإلا لاستدعى ثلاثة مفاعيل ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه لا يقولنّ أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه ولكن ليجتهد رأيه ؛ لأن الرأي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان مصيبا ؛ لأن الله تعالى كان يريه إياه وهو منا الظن والتكليف.
وروى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يقال له طعمة بكسر الطاء وفتحها ، والأوّل أفصح ابن أبيرق من بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له : قتادة بن النعمان وكانت الدرع في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه حتى انتهى إلى الدار ، ثم أخبأها عند رجل من اليهود يقال له : زيد بن السمين فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال : دفعها إليّ طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم واسألوه أن يجادل عن صاحبهم فقالوا : إن لم تفعل افتضح صاحبنا فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفعل ؛ لأنه بريء بحلفه وأن يعاقب اليهودي لثبوت المال عنده ، وقيل : همّ أن يقطع يده فقال تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) كطعمة (خَصِيماً) أي : مخاصما مدافعا عنهم.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي : مما هممت به أي : من الذب عنه وهذا الاستغفار لا عن ذنب إذ هو منزه عن ذلك معصوم ، ولكن عن مقام عال سام للارتقاء إلى أعلى منه وأتم (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) لمن يستغفره.
(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي : يخونونها بالمعاصي ؛ لأنّ وبال خيانتهم عليهم.
فإن قيل : لم قال (لِلْخائِنِينَ) و (يَخْتانُونَ) أنفسهم والخائن واحد فقط؟ أجيب : بأنه جمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته أو ليتناوله وقومه فإنهم شاركوه في الإثم حين شهدوا على براءته وخاصموا عنه ، وقيل : إنّ هذا خطاب مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره كقوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس ، ٩٤] والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوّة على أحد وجوه ثلاثة : إمّا الذنب تقدّم على النبوّة ، أو لذنوب أمّته ، أو لمباح جاء الشرع بتحريمه ، فيتركه بالاستغفار ، فالاستغفار