الكامل لمتبعه وإفهام الذمّ الكامل لغيره (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي : الموافقة لملة الإسلام وقوله تعالى : (حَنِيفاً) حال أي : مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيّم (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) أي : صفيا خالص المحبة له ، وإنما أعاد ذكره ، ولم يضمره تفخيما له ، وتنصيصا على أنه الممدوح ، والخلة من الخلال فإنه ودّ تخلل النفس وخالطها ، قال الزجاج : الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة الصداقة فسمي خليلا ؛ لأن الله تعالى أحبه واصطفاه.
روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام كان يسمى أبا الضيفان وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي بمصر فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم يريده لنفسه لفعلت ولكن يريده للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الشدّة ، فرجع غلمانه فمرّوا ببطحاء أي : بأرض ذات حصى فقالوا : لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحيي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملؤوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أخبروه بذلك وسارة نائمة ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان قالوا : بلى فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هو أجود حوّاري أي : وهو بضم الحاء المهملة وتشديد الواو وفتح الراء ، الدقيق الذي نخل مرّة بعد أخرى ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم فوجد رائحة الخبز فقال : من أين هذا لكم؟ فقالت : من خليلك المصري فقال : بل من عند خليلي الله عزوجل ، فسماه الله خليلا.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا يفعل فيهما ما يشاء (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) علما وقدرة أي : ولم يزل متصفا بذلك فمهما أراد كان في وعد وعيد للمطيع والعاصي لا يخفى عليه أحد منهم ولا يعجزه شيء.
(وَيَسْتَفْتُونَكَ) أي : يطلبون منك الفتوى (فِي) شأن (النِّساءِ) أي : في شأن اليتامى (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) أي : يبين لكم حكمه (فِيهِنَ) والإفتاء تبيين المبهم (وَ) يفتيكم أيضا في (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) أي : القرآن من آية الميراث (فِي يَتامَى النِّساءِ) أي : في شأن اليتامى (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ) أي : فرض (لَهُنَ) أي : من الميراث (وَتَرْغَبُونَ) أيها الأولياء (أَنْ) أي : في أن أو عن أن (تَنْكِحُوهُنَ) لجمالهن أو دمامتهن ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وهو وليها فيرغب في نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال بأقل من سنة صداقها وإن كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال تركها.
وفي رواية : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوّجها لدمامتها ، ويكره أن يزوّجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها حتى تموت فيرثها ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك (وَ) يفتيكم في (الْمُسْتَضْعَفِينَ) أي : الصغار (مِنَ الْوِلْدانِ) أي : أن تعطوهم حقوقهم ؛ لأن العرب كانوا لا يورثونهم كما لا يورثون النساء وقوله تعالى : (وَأَنْ تَقُومُوا) في محل نصب بإضمار فعل أي : ويأمركم أن تقوموا (لِلْيَتامى) بالقسط أي : العدل من الميراث وغيره ، والخطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقهم أو للقوّام بالنصفة في شأنهم (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي : في ذلك أو غيره (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) أي : فيجازيكم عليه فإنه أكرم الأكرمين فطيبوا نفسا وقرّوا عينا ، قال سعيد بن جبير : كان رجل له امرأة قد كبرت وله منها أولاد فأراد أن يطلقها ويتزوّج غيرها فقالت له : لا تطلقني ودعني على ولدي واقسم لي من كل شهرين إن شئت وإن