جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب عنه ، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتقصير في حقها ولا بنفسه بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذ الزوج لا يكاد يسمح بنفسه إذا كرهها وخصوصا إذا أحب غيرها ، والشح أقبح البخل وحقيقته الحرص على منع الخير (وَإِنْ تُحْسِنُوا) أي : في عشرة النساء وإن كنتم كارهين (وَتَتَّقُوا) أي : النشوز والإعراض ونقص الحق (فَإِنَّ اللهَ كانَ) أزلا وأبدا (بِما تَعْمَلُونَ) أي : من الإحسان والخصومة (خَبِيراً) أي : عليما به وبالغرض منه فيجازيكم عليه.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا) أي : توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة (أَنْ تَعْدِلُوا) أي : تسووا بين (النِّساءِ) أي : في المحبة ؛ لأنّ العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر ، ولذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : «هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» (١) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على تحرّي ذلك وبالغتم فيه (فَلا تَمِيلُوا) أي : إلى التي تحبونها (كُلَّ الْمَيْلِ) في القسم والنفقة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله (فَتَذَرُوها) أي : تتركوا المرأة الممال عنها (كَالْمُعَلَّقَةِ) أي : التي لا هي أيم ولا ذات بعل.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من كان له امرأتان يميل إلى إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه مائل» (٢) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم.
وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه بعث إلى أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمال فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : إلى كل أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعث عمر مثل هذا قالوا : لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهنّ بغيره فقالت : ارفع رأسك فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه فرجع الرسول فأخبره فأتم لهنّ جميعا ، وكان لمعاذ رضي الله تعالى عنه امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد (وَإِنْ تُصْلِحُوا) أي : ما كنتم تفسدون من أمورهنّ (وَتَتَّقُوا) فيما يستقبل (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) أي : لما في قلوبكم من الميل (رَحِيماً) بكم في ذلك وغيره فإنه أرحم الراحمين.
(وَإِنْ يَتَفَرَّقا) أي : يفترق كل من الزوجين من صاحبه بالطلاق (يُغْنِ اللهُ كُلًّا) منهما عن الآخر ببدل بأن يرزقها زوجا ويرزقه غيرها أو سلوا (مِنْ سَعَتِهِ) أي : من فضله وكرمه (وَكانَ اللهُ واسِعاً) أي : واسع الفضل والرحمة بخلقه (حَكِيماً) أي : فيما دبره لهم ، وفي قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : ملكا وعبيدا تنبيه على كمال سعته وقدرته (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي : جنس الكتب (مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : اليهود والنصارى ومن قبلهم وقوله تعالى : (وَإِيَّاكُمْ) عطف على الذين وهو خطاب لأهل القرآن (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) أي : بأن اتقوا الله أي : خافوا عقابه بأن تطيعوه ، وقوله تعالى : (وَإِنْ تَكْفُرُوا) أي : بما وصيتم به (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) على إرادة القول. قال التفتازاني : لأنّ الجملة الشرطية لا تصح أن تقع بعد أن المصدرية فلا يصح عطفها على الواقع بعدها أي : وقلنا لهم ولكم إن تكفروا فإنّ الله مالك
__________________
(١) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢١٣٤ ، والترمذي في النكاح حديث ١١٤٠ ، والنسائي في عشرة النساء حديث ٣٩٤٣ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٩٧١.
(٢) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢١٣٣ ، والنسائي في عشرة النساء حديث ٣٩٤٢ ، والدارمي في النكاح حديث ٢٢٠٦.