طلبا لرضاه (أَوْ فَقِيراً) فلا تمنع ترحما عليه (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) أي : الغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة لهما أو عليهما صلاحا لما شرعها.
تنبيه : الضمير في (بهما) راجع إلى ما دلّ عليه المذكور وهو جنس الغني والفقير لا إليهما وإلا لوحد الضمير لكون العطف بأو ، فكأنه قال : فالله أولى بجنس الغني والفقير أي : بالأغنياء والفقراء (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) أي : في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له (أَنْ تَعْدِلُوا) أي : إرادة أن تعدلوا فقد بان لكم أن لا عدل في ذلك ، أو لئلا تعدلوا أي : تميلوا عن الحق (وَإِنْ تَلْوُوا) أي : ألسنتكم لتحرفوا الشهادة (أَوْ تُعْرِضُوا) أي : عن أدائها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيجازيكم به. وقرأ ابن عامر وحمزة بضم اللام وحذف الواو الأولى ، والباقون بسكون اللام وواوين الأولى مضمومة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) أي : داوموا على الإيمان (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم وهو القرآن (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) على الرسل بمعنى الكتب أي : آمنوا بجميع كتب الله المنزلة وقيل : إنّ الخطاب في ذلك لأهل الكتاب.
روي أنّ ابن سلام وأصحابه قالوا : يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه ، فقال لهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «بل آمنوا بالله ورسوله محمد والقرآن وبكل كتاب كان قبله» (١) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم النون من (نزل) ، وضم الهمزة من (أنزل) وكسر الزاي فيهما ، والباقون بفتح النون والهمزة وفتح الزاي فيهما (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) التي أنزل على أنبيائه (وَرُسُلِهِ) أي : من الملائكة والبشر (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : الذي أخبرت به رسله وهو يوم القيامة أي : ومن يكفر بشيء من ذلك (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق بحيث لا يكاد يعود إليه ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار دال قد عند الضاد والباقون بالإدغام.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : بموسى وهم اليهود (ثُمَّ كَفَرُوا) حين عبدوا العجل (ثُمَّ آمَنُوا) بعد عود موسى إليهم (ثُمَّ كَفَرُوا) بعيسى (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد صلىاللهعليهوسلم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) أي : ما داموا على هذه الحالة ؛ لأنه لا يغفر أن يشرك به (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الحق (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) يا محمد (بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي : مؤلما هو النار.
تنبيه : وضع بشر مكان أنذر تهكما بهم.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ) بدل أو نعت للمنافقين (يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لما يتوهمون فيهم من القوّة وقوله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ) أي : أيطلبون (عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) استفهام إنكاري أي : لا يجدونها عندهم (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) في الدنيا والآخرة ولا ينالهما إلا أولياؤه قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون ، ٨].
(وَقَدْ) أي : تتخذونهم والحال أنه قد (نَزَّلَ عَلَيْكُمْ) أي : أيتها الأمّة الصادقين منكم والمنافقين (فِي الْكِتابِ) أي : القرآن في سورة الأنعام النازلة بمكة المشرفة النهي عن مجالستهم فضلا عن ولايتهم (أَنْ) أي : إنه فهي مخففة واسمها محذوف (إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) أي : القرآن (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) أي : الكافرين والمستهزئين (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٢٣٤ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٥٠.