وروي أنّ آدم صلوات الله وسلامه عليه مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك وأنه لما أتى من مكة إلى الهند رثاه بشعر وهو (١) :
تغيرت البلاد ومن عليها |
|
فوجه الأرض مغبرّ قبيح |
تغير كل ذي طعم ولون |
|
وقل بشاشة الوجه المليح |
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : من قال إنّ آدم قال شعرا فقد كذب إنّ محمدا والأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسّلام في النهي عن الشعر سواء.
وروي أنه رثاه فلم يزل ينتقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يقول الشعر فنظر إلى المرثية فإذا هي سجع فقال : إنّ هذا يقوم منه شعر فرد المقدّم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدّم فوزنه شعرا وزيد فيه أبيات منها :
أرى طول الحياة عليّ غما |
|
فهل أنا من حياتي مستريح |
وما لي لا أجود بسكب دمع |
|
وهابيل تضمنه الضريح |
فلما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمسين سنة ولدت له حواء شيثا وتفسيره هبة الله أي : إنه خلف الله من هابيل علّمه الله ساعات الليل والنهار وأعلمه الله عبادة الخلق في كل ساعة منها وأنزل عليه خمسين صحيفة وصار وصي آدم وولي عهده. وأمّا قابيل فقيل له : اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا يأمن من يراه ، فأخذ بيد أخته أقليما وهرب بها إلى عدن من أرض اليمن فأتاه إبليس لعنه الله تعالى وقال له : إنما أكلت النار قربان أخيك لأنه كان يعبد النار فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت النار فهو أوّل من عبد النار ، قال مجاهد : واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى أغرقهم الله تعالى بالطوفان أيام نوح عليهالسلام ، وبقي نسل شيث عليهالسلام ، قال البقاعي في تفسيره : والله أعلم بما يروى من ذلك ولا يعتمد على مثل هذه الأحاديث ، وقد أحسن الطبري بقوله : أخبر الله تعالى بقتله ولا خبر يقطع العذر بصفة قتله على ما ذكرنا منه في مثله ولا فائدة في طلب الصحيح منه في الدين اه.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها لأنه أوّل من سنّ القتل» (٢).
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) أي : الذي فعله قابيل (كَتَبْنا) أي : قضينا (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) في التوراة لأنهم كانوا أشدّ الناس جراءة على القتل ولذلك كانوا يقتلون الأنبياء (أَنَّهُ) أي : الشأن (مَنْ قَتَلَ نَفْساً) أي : من بني آدم (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي : بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص (أَوْ) قتلها بغير (فَسادٍ) أتاه (فِي الْأَرْضِ) كالشرك والزنا بعد الإحصان وقطع الطريق وكل ما يبيح إراقة الدم (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) أي : من حيث هتك حرمة الدماء وسنّ القتل وجراءة الناس عليه أو من حيث إن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استحلال غضب الله والعذاب العظيم.
__________________
(١) الأبيات من الوافر ، وهي لآدم عليهالسلام في خزانة الأدب ١١ / ٣٧٧ ، والدرر ٦ / ٢١٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٦٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦.
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٣٦ ، ومسلم في القسامة حديث ١٦٧٧.