إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤))
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) كما اقترحوا (وَحَشَرْنا) أي : جمعنا (عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء أي : معاينة فشهدوا بصدقك ، والباقون بضم القاف والباء جمع قبيل أي : فوجا فوجا (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) لما سبق في علم الله ، وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء منقطع أي : لكن إن شاء الله إيمانهم فيؤمنون أو استثناء من أعمّ الأحوال أي : لا يؤمنون في حال إلا حال مشيئة الله تعالى إيمانهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أي : إنهم لو أتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم لأنّ بعضهم معاند مع أنّ مطلق الجهل يعمهم فيشمل المعاند أو لكنّ أكثر المسلمون يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعا في إيمانهم.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل ما جعلنا لك أعداء من كفار الإنس والجنّ (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ) أي : ممن كان قبلك (عَدُوًّا) ويبدل منه (شَياطِينَ) أي : مردة (الْإِنْسِ وَالْجِنِ) وفي هذا دليل على أنّ عداوة الكفرة للأنبياء عليهم الصلاة والسّلام بفعل الله تعالى وخلقه (يُوحِي) أي : يوسوس (بَعْضُهُمْ) أي : الشياطين من النوعين (إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي : مموهه من الباطل (غُرُوراً) أي : لأجل أن يغروهم بذلك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) إيمانهم (ما فَعَلُوهُ) أي : هذا الذي أنبأتك به من عداوتهم وما تفرع عليها وفي هذا دليل أيضا (فَذَرْهُمْ) أي : اترك الكفرة على أيّ حالة اتفقت (وَما يَفْتَرُونَ) من الكفر وغيره مما زين لهم وهذا قبل الأمر بالقتال.
وقوله تعالى : (وَلِتَصْغى) عطف على غرورا إن جعل علة أي : ولتميل ميلا قويا (إِلَيْهِ) أي : الزخرف الباطل (أَفْئِدَةُ) أي : قلوب (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : ليس في طبعهم الإيمان بها لأنها غيب واهم لبلادتهم واقفون مع وهمهم ولذلك استولت عليهم الدنيا التي هي من أصل الغرور أو متعلق بمحذوف أي : وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدوا ، والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا : اللام لام العاقبة وهو قول الزمخشريّ في كشافه إنّ اللام للصيرورة (وَلِيَرْضَوْهُ) أي : الزخرف الباطل لأنفسهم (وَلِيَقْتَرِفُوا) أي : يكتسبوا (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) من الآثام فيعاقبوا عليها