المؤمنين إذا دخلوا الجنة قالوا : الحمد لله الذي وفقنا وأرشدنا للعمل الذي هذا ثوابه وتفضل علينا به رحمة منه وإحسانا وصرف عنا عذاب جهنم بفضله وكرمه فله الحمد على ذلك (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي : لو لا هداية الله وتوفيقه ، واللام لتوكيد النفي وجواب لو لا محذوف دل عليه قوله تعالى : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وتقديره : لو لا هداية الله لنا موجودة لشقينا أو ما كنا مهتدين ، وقرأ ابن عامر بحذف الواو قبل ما والباقون بالواو.
وإذا دخل أهل النعيم الجنة ورأوا ما أعدّ الله تعالى لهم من النعيم قالوا : (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) فاهتدينا بإرشادهم يقولون ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا وتلذذوا بالتكلم به وتبجحا بأنّ ما علموه يقينا في الدنيا صار لهم عين اليقين في الآخرة ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال والباقون بالإدغام (وَنُودُوا) إذا رأوها من بعيد أو بعد دخولها والمنادي هو الله تعالى أو الملائكة ينادون بأمر الله تعالى (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) التي كانت الرسل وعدتكم بها في الدنيا.
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» (١) فذلك قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها) أي : أعطيتموها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : بسبب أعمالكم الصالحة التي عملتموها لأنّ الجنة جعلت جزاء وثوابا لكم على الأعمال الصالحة ولا يعارض هذا ما ورد عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لن يدخل الجنة أحد بعمله إنما يدخلونها برحمة الله تعالى» (٢) فإنّ الباء في الحديث للعوض وهي الداخلة على الأثمان نحو شريت الفرس بألف فلا تكون الجنة مشتراة له بعمله فيكون عمله ثمنا لها أو أنّ دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال أو أنّ العمل الصالح لن يناله المؤمن ولن يبلغه إلا برحمة الله وتوفيقه وإذا كان العمل الصالح بسبب الرحمة كان دخول الجنة في الحقيقة برحمة الله وجعلها الله تعالى ثوابا وجزاء لهم على تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في دار الدنيا.
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من الجنة والمؤمن يرث الكافر منزله من النار» (٣) و (أن) في المواضع الخمسة التي فيها المناداة والتأذين هي المخففة أو المفسرة لأنّ المناداة والتأذين من القول ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الثاء عند التاء والباقون بالإدغام.
(وَنادى أَصْحابُ) أي : أهل (الْجَنَّةِ أَصْحابَ) أي : أهل (النَّارِ) أي : يقول أهل الجنة يا أهل النار (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) أي : في الدنيا على لسان الرسل من الثواب على الإيمان به وبرسله وطاعته (حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) أي : من العذاب على الكفر (حَقًّا قالُوا) أي : قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة (نَعَمْ) وجدنا ذلك حقا وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
فإن قيل : الجنة في السماء والنار في الأرض فكيف يصح أن يقع هذا النداء؟ أجيب : بأن الله
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٣٧ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٢٤٦.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٦٤.
(٣) أخرجه ابن ماجه في الزهد حديث ٤٣٤١.