وحكى ابن الأنباري أنهم أنبياء وعلى هذا إنما أجلسهم على ذلك العالي تمييزا لهم على أهل القيامة وإظهارا لفضلهم وعلو مرتبتهم وليكونوا مشرفين على أهل الجنة والنار ومطلعين على أحوالهم ومقادير ثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار ، وقال أبو مخلد : هم ملائكة يرون في صورة الرجال ، والأقوال الأول تدل على أنّ أصحاب الأعراف دون أهل الجنة في الدرجات وإن كانوا يدخلون الجنة برحمة الله ، والأقوال الأخيرة تدل على أنهم أفضل من أهل الجنة لأنهم أعلى منهم منزلة وأفضل.
(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) أي : أصحاب الأعراف (تِلْقاءَ) أي : جهة (أَصْحابِ النَّارِ) فنظروا لهم وإلى سواد وجوههم وما هم فيه من العذاب (قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : الكافرين في النار قال ابن عباس : إنّ أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أصحاب النار وما هم فيه تضرّعوا إلى الله تعالى وسألوه أن لا يجعلهم منهم. وقرأ قالون وأبو عمرو والبزي بإسقاط الهمزة الأولى وأبدلها ورش وقنبل حرف مدّ وسهلاها والباقون بالتحقيق.
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) أي : كانوا عظماء في الدنيا من أهل النار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي : بسيما أهل النار (قالُوا) أي : أصحاب الأعراف لهؤلاء الذين عرفوهم في النار (ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ) أي : ما كنتم تجمعون من الأموال في الدنيا أو كثرتكم واجتماعكم فيها (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أي : وما أغنى عنكم تكبركم عن الإيمان شيئا ، قال الكلبيّ : ينادونهم على السور يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان ويا فلان ثم ينظرون إلى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزئون بهم مثل سلمان الفارسيّ وخبيب وصهيب وبلال وأشباههم فيقول أصحاب الأعراف لهؤلاء الكفار :
(أَهؤُلاءِ) لفظ استفهام أي : أهؤلاء الضعفاء (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) أي : حلفتم بالله (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) أي : لا يدخلون الجنة ، وقد قيل لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وقيل : أصحاب الأعراف إذا قالوا لأهل النار ما قالوا قال لهم أهل النار : إن دخل هؤلاء فأنتم لم تدخلوها فيعيرونهم بذلك ويقسمون أنهم لا يدخلون الجنة ولا ينالهم الله برحمة فتقول الملائكة الذين حبسوا أهل الأعراف : ادخلوا الجنة برحمة الله لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ، وهذا ظاهر على الأقوال الأول ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بكسر تنوين رحمة في الوصل وابن ذكوان بوجهين الضم والكسر والباقون بالضم.
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) أي : صبوه وهو دليل على أنّ الجنة فوق النار (أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي : من سائر الأشربة ليلائم الإفاضة لأنّ الإفاضة ملائمة للماء وسائر المائعات فحملت الإفاضة على إفاضة جميع المائعات أو من سائر المشروب والمأكول بتضمين أفيضوا ألقوا كقوله (١) :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتى غدت همالة عيناها |
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (زجج) ، (قلد) ، (علف) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، ٧ / ٢٣٣ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٢٥٩ ، والإنصاف ٢ / ٦١٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٤٥ ، والخصائص ٢ / ٤٣١ ، والدرر ٦ / ٧٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٤٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٥٨ ، ٢ / ٩٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٠ ، وتاج العروس (علف).