غنينا زمانا بالتصعلك والغنى |
|
وكل سقانا بكاسيهما الدهر |
فما زادنا بغيا على ذي قرابة |
|
غنى ولا أزرى بأحسابنا الفقر |
قال الزجاج : معنى غنينا عشنا والتصعلك الفقر يقال للفقير : صعلوك (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) أي : دينا ودنيا دون الذين اتبعوه فإنهم الرابحون في الدارين وأكد ذلك بإعادة الموصول وغيره للردّ عليهم في قولهم السابق.
(فَتَوَلَّى) أي : أعرض شعيب (عَنْهُمْ) أي : عن قومه (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي : قال ذلك لما تيقن نزول العذاب بهم تأسفا وحزنا عليهم لأنهم كانوا كثيرين وكان يتوقع منهم الإجابة والإيمان ثم أنكر على نفسه فقال : (فَكَيْفَ آسى) أي : أحزن (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) لأنهم ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بسبب كفرهم ، وقيل : قال ذلك اعتذارا عن عدم شدّة حزنه عليهم والمعنى : لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح فلم يصدّقوا قولي فكيف أحزن عليهم.
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) فيه إضمار وحذف تقديره : فكذبوه (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) قال ابن مسعود : البأساء الفقر والضرّاء المرض ، وقيل : البأساء الشدّة وضيق العيش والضرّاء سوء الحال (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) أي : فعلنا بهم ذلك لكي يتضرّعوا ويتوبوا والتضرّع التذلل والخضوع والانقياد لأمر الله.
(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي : أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدّة السلامة والسعة كقوله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف ، ١٦٨] فأخبر الله تعالى بهذه الآية أنه يأخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج وهو قوله تعالى : (حَتَّى عَفَوْا) أي : كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم يقال : عفا الشعر إذا كثر وطال ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «وأعفوا اللحى» (١) أي : وفروها وأكثروا شعرها (وَقالُوا) كفرا للنعمة (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) وهذه عادة الدهر قديما وحديثا لنا ولآبائنا ولم يكن ما مسنا من الشدّة والضرّاء عقوبة لنا من الله تعالى على ما نحن عليه فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم من قبل فإنهم لم يتركوا دينهم لما أصابهم من الضراء والسراء قال الله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة أينما كانوا ليكون ذلك أعظم لحسرتهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي : بنزول العذاب بهم والمراد بذكر هذه القصة وغيرها من القصص اعتبار من سمعها لينزجر عما هو عليه من الذنوب ويرجع إلى الله تعالى ويزداد الذين آمنوا إيمانا.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما
__________________
(١) أخرجه البخاري في اللباس حديث ٥٨٩٣ ، ومسلم في الطهارة حديث ٢٥٩ ، والترمذي في الأدب حديث ٢٧٦٣ ، والنسائي في الطهارة حديث ١٥.