مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
(قُلْ) لهم (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً) اجتلاب نفع بأن أربح فيما أشتريه (وَلا ضَرًّا) أي : ولا أقدر أدفع عن نفسي ضرّا نزل بها بأن أرتحل إلى الأرض الخصبة أو من الأرض الجدبة (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له.
وقيل : إنه صلىاللهعليهوسلم لما رجع من غزوة بني المصطلق عصفت ريح في الطريق ففرّت الدواب منها فأخبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بموت رفاعة بالمدينة ، وكان فيها غيظ للمنافقين وقال صلىاللهعليهوسلم : «انظروا أين ناقتي» فقال عبد الله بن أبيّ المنافق مع قومه : ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت الرجل بالمدينة ولم يعرف أين ناقته؟ فقال صلىاللهعليهوسلم إنّ ناسا من المنافقين قالوا : كيت وكيت ، وناقتي في هذا الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فوجدوها على ما قال صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلَوْ كُنْتُ) أي : من ذاتي (أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي : جنسه (لَاسْتَكْثَرْتُ) أي : أوجدت لنفسي كثيرا (مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي : ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع ، ويدخل فيه ما يتصل بالخصب واجتناب المضارّ حتى لا يمسني سوء (إِنْ) أي : ما (أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) بالنار للكافرين (وَبَشِيرٌ) بالجنة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : يصدّقون ، وقيل : لقوم يؤمنون متعلق بنذير وبشير ؛ لأنهم المنتفعون بهما (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي : ولم تكونوا شيئا (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي : خلقها ابتداء من تراب ، وهي آدم عليهالسلام (وَجَعَلَ مِنْها) أي : من جسدها من ضلع من أضلاعها ، وقيل : من جنسها لقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الشورى ، ١١] (زَوْجَها) أي : حوّاء ، قالوا : والحكمة في كونها خلقت منه أنّ الجنس إلى الجنس أميل والجنسية علة الضمّ (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) أي : ليأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه ، وإنما ذكر الضمير في يسكن بعد أن أنث في قوله تعالى : (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ذهابا إلى معنى النفس ليناسب تذكير الضمير في قوله تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي : جامعها ، ولئلا يوهم لو أنثه نسبة السكون إلى الأنثى ، والأمر بخلافه إزالة لاستيحاشه ، فكانت نسبة المؤانسة إليه أولى (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) أي : خف عليها ولم تلق منه ما يلقى الحوامل غالبا من الأذى ، أو محمولا خفيفا وهو النطفة (فَمَرَّتْ بِهِ) أي : فعالجت به أعمالها وقامت وقعدت ولم يعقها عن شيء من ذلك لخفته (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي : صارت ذا ثقل بكبر الولد في بطنها (دَعَوَا اللهَ) أي : آدم وحوّاء عليهماالسلام (رَبَّهُما) مقسمين (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) أي : ولدا سويا لا عيب فيه (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي : نحن وأولادنا على نعمتك علينا ، وذلك أنهما جوّزا أن يكون غير سوي لقدرة الله تعالى على كل ما يريد لأنه الفاعل المختار.
فائدة : اتفق القراء على إدغام تاء التأنيث الساكنة في الدال.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) أي : جنس الولد الصالح في تمام الخلق بدنا وقوّة وعقلا ، فكثروا في الأرض وانتشروا في نواحيها ذكورا وإناثا (جَعَلا) أي : النوعان من أولادهما الذكور والإناث ؛ لأنّ صالحا صفة للولد وهو الجنس ، فيشمل الذكر والأنثى والقليل والكثير ، فكأنه قيل : فلما آتاهما أولادا صالحي الخلقة من الذكور والإناث جعل النوعان (لَهُ شُرَكاءَ) أي : بعضهم أصناما وبعضهم نارا وبعضهم شمسا وبعضهم غير ذلك ، وقيل : جعل أولادهما له شركاء (فِيما آتاهُما) أي : فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويدل عليه قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)