كبسوكم فعليكم بالنبل» (١) ، وفي رواية : «ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة : تأديب الرجل فرسه ، وملاعبة أهله ، ورميه بقوسه أي : نبله ، فإنهنّ من الحق ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه ، فإنها نعمة تركها أو كفرها» (٢) أخرجه الترمذي.
والثاني : إنها الحصون.
والثالث : إنها جميع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوّة في الحرب على قتال عدوّكم وقوله تعالى : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله سواء كانت ذكورا أو إناثا ، وقال عكرمة : المراد الإناث.
وروي عن خالد بن الوليد أنه قال : لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها ، وعن أبي محيريز أنه قال : كانت الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف ، وإناث الخيل عند البيات والغارات ، وقيل : ربط الفحول أولى ؛ لأنها أقوى على الكرّ والفرّ ، ويدلّ للأوّل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله ، وتصديقا بوعده ، فإنّ شبعه وريه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة» (٣) يعني حسناته ، وعن عروة البارقيّ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم» (٤) ، وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الحمر فقال : «ما أنزل عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٥) [الزلزلة ، ٧ ـ ٨] (تُرْهِبُونَ) أي : تخوفون (بِهِ) أي : بتلك القوّة أو بذلك الرباط (عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) أي : الكفار من أهل مكة وغيرهم ، وذلك إنّ الكفار إذا علموا أنّ المسلمين متأهبون للجهاد مستعدون له مستكملون لجميع الأسلحة وآلات الحرب وإعداد الخيل مربوطة للجهاد خافوهم ، فلا يقصدون دخول دار الإسلام بل يصير ذلك سببا لدخول الكفار في الإسلام أو بذل الجزية للمسلمين (وَ) ترهبون (آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي : غيرهم وهم المنافقون لقوله تعالى : (لا تَعْلَمُونَهُمُ ؛) لأنهم معكم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) أي : إنهم منافقون.
فإن قيل : المنافقون لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكر الإرهاب؟ أجيب : بأنّ المنافقين إذا شاهدوا قوّة المسلمين ، وكثرة آلاتهم وأسلحتهم كان ذلك مما يخوفهم ويقطع طمعهم من أن يصيروا غالبين ، فيحملهم ذلك على أن يتركوا الكفر من قلوبهم ، وبواطنهم ويصيروا مخلصين في الإيمان ، وقيل : هم اليهود ، وقيل : الفرس (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) وإن قل (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : طاعته جهادا كان أو غيره (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) قال ابن عباس : أجره ، أي : لا يضيع في الآخرة أجره ويعجل الله عوضه في الدنيا (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي : لا تنقصون من الثواب ، ولما سئل ابن عباس عن هذا التفسير تلا قوله تعالى : (آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف ، ٣٣] ولما بيّن تعالى ما
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٩٠٠ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٦٦٣.
(٢) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث ٢٥١٣ ، والنسائي في الخيل حديث ٣٥٧٨.
(٣) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٨٥٣ ، والنسائي في الخيل حديث ٣٥٨٢.
(٤) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٨٥٢ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٨٧٣ ، والترمذي في الجهاد حديث ١٦٩٤ ، والنسائي في الخيل حديث ٣٥٧٥ ، والدارمي في الجهاد حديث ٢٤٢٧.
(٥) أخرجه البخاري في المساقاة حديث ٢٣٧١.