وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦))
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) أي : بالقتل والأسر واغتنام الأموال.
فإن قيل : قد قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال ، ٣٣] فكيف قال تعالى هنا : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ؟) أجيب : بأن المراد بالعذاب في الآية الأولى عذاب الاستئصال ، وبهذه الآية القتل والأسر. والفرق : أنّ عذاب الاستئصال قد يتعدّى إلى غير المذنب ، وإنه في حقه لمزيد الثواب وعذاب القتل مقصور على المذنب وهذا كالتصريح بأنّ هذا الفعل وما عطف عليه فعله تعالى وإن كان جاريا على أيدي العباد كسبا لا يرد على ذلك أنه لا يقال يعذب الله المؤمنين بأيدي الكافرين ؛ لأنّ ذلك إنما امتنع لشناعة العبارة كما لا يقال : يا خالق القاذورات والأبوال والعذرات وإن كان هو الخالق لها. (وَيُخْزِهِمْ) أي : بالذل والفضيحة في الدنيا والعذاب في الآخرة (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) أي : يمكنكم من قتلهم وإذلالهم (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) أي : طائفة من المؤمنين وهم خزاعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فبعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشكون إليه فقال : أبشروا فإن الفرج قريب.
(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) أي : كربها ووجدها ، وقد وفى الله تعالى بما وعد ، والآية من المعجزات. وقوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) استئناف أي : إنّ الله تعالى يهدي من يشاء إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، فهؤلاء كانوا من أئمة الكفر ورؤساء المشركين ثم منّ الله تعالى عليهم بالإسلام يوم فتح مكة فأسلموا وحسن إسلامهم. (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي : يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان فهو عليم بكل شيء ، فيعلم من يصلح للتوبة ومن لا يصلح لها ، أو يعلم ما في قلوبكم من الإقدام والإحجام (حَكِيمٌ) أي : أحكم جميع أموره.
(أَمْ حَسِبْتُمْ) أي : أظننتم (أَنْ تُتْرَكُوا) فلا تؤمروا بالجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب ، والخطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال ، وقيل للمنافقين. وأم : بمعنى همزة الإنكار. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي : علما ظاهرا تقوم به الحجة عليكم في مجاري عاداتكم على مقتضى عقولكم بأن يقع الجهاد في الواقع بالفعل ، وعبر تعالى بلما دون لم لدلالتها مع استغراق الزمان على أن تبين ما بعدها متوقع كائن ، وقوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) عطف على جاهدوا داخل في حيز الصلة كأنه قيل : ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذي وليجة من دون الله. والوليجة : فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل ، وهي البطانة من المشركين يتخذونهم يفشون إليهم أسرارهم ، وقال قتادة : هي الخيانة. وقال عطاء : هي الأولياء. (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من مولاة المشركين وغيرها ، فيجازيكم عليه.