(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا : حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول.
روى معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة» (١) وفي رواية : في شعيرة. وقوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعارا بأنّ إنزال الرجز عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو على أنفسهم بأنهم تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها (رِجْزاً) أي : عذابا مقدرا (مِنَ السَّماءِ) وقيل : أرسل الله عليهم طاعونا فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا ، وقيل : أربعة وعشرون ألفا (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي : بسبب فسقهم ، أي : خروجهم عن الطاعة.
(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى) طلب السقيا (لِقَوْمِهِ) وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) وكانت من آس الجنة بالمدّ أي : شجرها وهو المرسين.
وروي عن ابن عباس أنها كانت من عوسج طولها عشرة أذرع على طول موسى وكان لها شعبتان تتقدان في الظلمة نورا واسمها عليق ، وقال مقاتل : اسمها بنفة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى. واللام في الحجر للعهد على ما روي أنه كان حجرا طوريا مكعبا حمله معه كان له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين تسيل كل عين في جدول إلى سبط وكانوا ستمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا أو حجرا أهبطه آدم من الجنة ودفع إلى شعيب فأعطاه لموسى مع العصا أو الحجر الذي فرّ بثوبه لما وضعه عليه ليغتسل ومرّ به على ملأ من بني إسرائيل وهو حجر خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان وبرأه الله تعالى به عما رموه به من الأدرة وهي بضمّ الهمزة كبر الأنثيين فلما وقف أتاه جبريل عليه الصلاة والسّلام فقال : إنّ الله تعالى يقول : ارفع هذا الحجر فلي فيه قدرة ولك فيه معجزة أو للجنس.
قال البيضاويّ : وهذا أظهر في الحجة ويدل له قول وهب : لم يكن حجرا معينا بل كان موسى يضرب أي حجر كان فينفجر عيونا لكل سبط عين ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٠٣ ، ومسلم في التفسير حديث ٣٠١٥ ، والترمذي في التفسير حديث ٢٩٥٦.