متعلق بمحذوف على أنه حال مقدرة من السيئة قاله أبو البقاء. (وَقَدْ ،) أي : والحال أنه قد (خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) جمع مثلة بفتح الميم وضم المثلثة كصدقة وصدقات ، أي : عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) وإلا لم يترك على ظهرها دابة كما قال تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ، ٤٥]. وقال ابن عباس : معناه لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) للمصرين على الشرك الذين ماتوا عليه. وقال مقاتل : إنه لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب عنهم ، وشديد العقاب إذا عاقب. ولما بين سبحانه وتعالى أنّ الكفار طعنوا في نبوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم بسبب طعنهم في الحشر والنشر أوّلا ، ثم طعنوا في نبوّته بسبب طعنهم في صحة ما ينذرهم به من نزول عذاب الاستئصال ثانيا ، ثم طعنوا في نبوّته بأن طلبوا منه المعجزة والبينة. ثالثا ، وهو المذكور في قوله تعالى :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا ،) أي : هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ ،) أي : محمد صلىاللهعليهوسلم (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ،) أي : مثل عصا موسى وناقة صالح وذلك ؛ لأنهم أنكروا كون القرآن من جنس المعجزات ، وقالوا : هذا كتاب مثل سائر الكتب ، وإتيان الإنسان بتصنيف معين وكتاب معين لا يكون معجزا مثل معجزات موسى وعيسى عليهماالسلام ، وكان نبينا صلىاللهعليهوسلم راغبا في إجابة مقترحاتهم لشدّة التفاته إلى إيمانهم قال الله تعالى له : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ،) أي : ليس عليك إلا الإنذار والتخويف ، وليس عليك إتيان الآيات. (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ،) أي : نبيّ يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون. وقرأ ابن كثير في الوقف بياء بعد الدال ، وفي الوصل بغير ياء وتنوين الدال ، والباقون بغير ياء في الوقف والوصل مع تنوين الدال.
ولما سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الآيات أخبرهم الله تعالى عن عظيم قدرته وكمال علمه بقوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من ذكر وغيره وواحد ومتعدّد وغير ذلك (وَما تَغِيضُ ،) أي : تنقص (الْأَرْحامُ) من مدّة الحمل (وَما تَزْدادُ ،) أي : من مدّة الحمل فقد تكون سبعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند الإمام أبي حنيفة ، وإلى أربع عند الإمام الشافعي ، وإلى خمس عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنهم.
وقيل : إنّ الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان بقي في بطن أمّه أربع سنين ، ولذلك سمي هرما. وقيل : ما تنقصه الرحم من الأولاد وتزيده منهم. يروى أنّ شريكا كان رابع أربعة في بطن أمّه. وقيل : من نقصان الولد فيخرج ناقصا والزيادة تمام خلقه. وقيل : ما تنقص بالسقط عن أن يتم وما يزداد بالتمام. وقيل : ما تنقص بظهور دم الحيض ، وذلك أنه إذا سال الدم في وقت الحمل ضعف الولد ونقص بمقدار حصول ذلك. قال ابن عباس : كلما سال الحيض في وقت الحمل يوما زاد في مدّة الحمل يوما ليحصل الجبر ويعتدل الأمر والآية تحتمل جميع ذلك إذ لا تنافي في هذه الأقوال. ويدل لذلك قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ) من هذا وغيره من الآيات المقترحات وغيرها (عِنْدَهُ ،) أي : في علمه وقدرته (بِمِقْدارٍ) في كيفيته وكميته لا يجاوزه ولا يقصر عنه ولأنه تعالى عالم بكيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين.
تنبيه : قوله تعالى : (عِنْدَهُ) يجوز أن يكون مجرور المحل صفة لشيء أو مرفوعه صفة لكل أو منصوبه ظرفا لقوله : (بِمِقْدارٍ) أو ظرفا للاستقرار الذي تعلق به الجار لوقوعه خبرا.