(عالِمُ الْغَيْبِ) وهو ما غاب عن كل مخلوق (وَالشَّهادَةِ) وهو ما شاهدوه ، وقيل : الغيب هو المعدوم والشهادة هو الموجود. وقيل : الغيب ما غاب عن الحس ، والشهادة ما حضر في الحس (الْكَبِيرُ ،) أي : العظيم (الْمُتَعالِ) عن خلقه بالقهر المنزه عن صفات النقص فهو تعالى موصوف بالعلم الكامل والقدرة التامّة. وقرأ ابن كثير في الوقف والوصل بياء بعد اللام ، والباقون بغير ياء وقفا ووصلا.
ولما كان علمه تعالى شاملا لجميع الأشياء قال تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ ،) أي : في علمه تعالى (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ،) أي : أخفى معناه في نفسه (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ،) أي : أظهره فقد استوى في علمه تعالى المسرّ بالقول والجاهر به (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ ،) أي : مستتر (بِاللَّيْلِ ،) أي : بظلامه (وَسارِبٌ ،) أي : ظاهر بذهابه في سربه (بِالنَّهارِ) والسرب : بفتح السين وسكون الراء الطريق ، وقال ابن عباس : سواء ما أضمرته القلوب وأظهرته الألسنة ، وقال مجاهد : سواء من يقدم على القبائح في ظلمات الليل ، ومن يأتي بها في النهار الظاهر على سبيل التواري والضمير في (لَهُ) يعود إلى من في قوله (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) أو للإنسان (مُعَقِّباتٌ ،) أي : ملائكة تعقبه ، والذي عليه الجمهور أنّ المراد بالملائكة الحفظة ، وإنما صح وصفهم بالمعقبات إما لأجل أن ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار ، وبالعكس وإما لأجل أنهم يتعقبون أعمال العباد ويبتغونها بالحفظ والكتب وكل من عمل عملا ، ثم عاد إليه فقد عقب ، فعلى هذا المراد من المعقبات ملائكة الليل والنهار ، روي عن عثمان أنه قال يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال صلىاللهعليهوسلم : «ملك عن يمينك للحسنات وهو أمير على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرا وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين : اكتب قال : لا لعله أن يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات فإذا قال ثلاثا قال اكتب أراحنا الله منه. فبئس القرين ما أقل مراقبته لله واستحيائه منا فهو قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ،) أي : قدّامه (وَمِنْ خَلْفِهِ ،) أي : ورائه ، وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك ، وإن تجبرت قصمك وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة ، وملك على فيك ، لا يدع أن تدخل الحية في فيك وملكان على عينيك فهذه عشرة أملاك على كل أدمي» (١) ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فهم عشرون ملكا على كل آدمي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله تعالى وهو أعلم بكم : كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون» (٢). وقال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته ، فإن قيل : الملائكة ذكور فلم ذكروا في جمع الإناث وهو المعقبات؟ أجيب : بجوابين : الأول : قال الفراء : المعقبات ملائكة
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٤٨ ، والسيوطي في الحبائك في الملائك ٨٦ ، والهيثمي في الفتاوى الحديثية ٣٣.
(٢) أخرجه البخاري في المواقيت حديث ٥٥٥ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٣٢ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٥٧٩ ، والترمذي في التفسير حديث ٢٩٦٤.