معقبة واحدها معقب ثم جمعت معقبة بمعقبات كما قيل أبناآت ورجالات جمع أبناء ورجال والذي على التذكير قوله تعالى : (يَحْفَظُونَهُ) والثاني : وهو قول الأخفش إنما أنت لكثرة ذلك منها نحو نسابة وعلامة وهو ذكر ، واختلف في المراد من قوله تعالى : (مِنْ أَمْرِ اللهِ) على أقوال :
أحدها : إنه على التقديم والتأخير ، والتقدير له معقبات من أمر الله يحفظونه.
ثانيها : أنّ فيه إضمارا ، أي : ذلك الحفظ من أمر الله ، أي : مما أمر الله تعالى به فحذف الاسم وأبقى خبره.
وثالثها : أنّ كلمة من معناها الباء والتقدير يحفظونه بأمر الله وبإعانته ، وقال كعب الأحبار : لو لا أنّ الله تعالى وكّل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجنّ ، وقال ابن جريج : معنى يحفظونه ، أي : يحفظون عليه الحسنات والسيئات ، فإن قيل : ما الفائدة في تخصيص هؤلاء الملائكة مع بني آدم وتسليطهم عليهم؟ أجيب : بأن الإنسان إذا علم أنّ الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب ؛ لأنّ من اعتقد جلالة الملائكة وعلو مراتبهم ، فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها زجره الحياء منهم عن الإقدام إليها كما يزجره إذا حضر من يعظمه من البشر ، وإذا علم أنّ الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال ، كان ذلك أيضا ردعا له عنها ، وإذا علم أنّ الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل.
ولما دل ذلك على غاية القدرة والعظمة قال تعالى : (إِنَّ اللهَ) مع قدرته (لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ،) أي : لا يسلبهم نعمته (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما ،) أي : الذي (بِأَنْفُسِهِمْ) من الأحوال الجميلة إلى الأحوال القبيحة (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً ،) أي : هلاكا وعذابا (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي لا يقدر أحد لا من المعقبات ولا من غيرها أن يرد ما نزل بهم من قضائه وقدره (وَما لَهُمْ ،) أي : إن أراد الله بهم سواء (مِنْ دُونِهِ ،) أي : غير الله (مِنْ والٍ) يلي أمرهم وينصرهم ويمنع العذاب عنهم ، وقرأ ابن كثير في الوقف بإثبات الياء بعد اللام دون الوصل ، والباقون بغير ياء بعد اللام وقفا ووصلا.
ولما خوّف الله تعالى بقوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أتبعه بذكر آيات تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه ، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً ،) أي : للمسافرين من الصواعق (وَطَمَعاً ،) أي : للمقيم في المطر ، وقيل : إنّ كل شيء يحصل في الدنيا يحتمل الخير والشر ، فهو خير بالنسبة إلى قوم وشر بالنسبة إلى آخرين ، فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه وشر في حق من يضرّه ذلك إما بحسب المكان وإما بحسب الزمان ، والبرق معروف وهو لمعان يظهر من بين السحاب (وَيُنْشِئُ ،) أي : يخلق (السَّحابَ الثِّقالَ ،) أي : بالمطر.
تنبيه : خوفا وطمعا مصدران ناصبهما محذوف ، أي : تخافون خوفا وتطمعون طمعا ، ويجوز غير ذلك ، والسحاب قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : غربال الماء وهو غيم ينسحب في السماء ، وهو اسم جنس جمعي واحده سحابة وأكثر المفسرين على أنّ الرعد في قوله تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) على أنه اسم للملك الذي يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه ولا يردّ ذلك عطف الملائكة عليه في قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ ،) أي : تسبحه (مِنْ خِيفَتِهِ) أي : الله ؛ لأنه أفرد بالذكر تشريفا له ، كما في قوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة ، ٩٨]. قال ابن عباس : «أقبلت يهود على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أخبرنا عن الرعد ما هو؟ فقال : ملك من