(وَإِنْ) أي : وما (أَدْرِي) أن يكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أم لا (لَعَلَّهُ) أي : تأخير العذاب (فِتْنَةٌ) أي : اختبار (لَكُمْ) ليظهر ما يعلمه منكم من السر لغيره لأنّ حالكم حال من يتوقع منه ذلك (وَمَتاعٌ) لكم تتمتعون به (إِلى حِينٍ) أي : بلوغ مدّة آجالكم التي ضربها لكم في الأزل ، ثم يأخذكم بغتة وأنتم لا تشعرون ، ولما كان لله أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل ، وكان من العدل جواز تعذيب الله تعالى الطائع وتنعيم المؤمن العاصي ، وكان صلىاللهعليهوسلم قد بلغ الغاية في البيان لهم ، وهم قد بلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه أمر الله تعالى أن يفوّض الأمر إليه تسلية له بقوله تعالى :
(قالَ رَبِ) أيها المحسن إليّ (احْكُمْ) أي : أنجز الحكم بيني وبين قومي (بِالْحَقِ) أي : بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان ، وقرأ حفص بفتح القاف وألف بعدها ، وفتح اللام بصيغة الماضي على حكاية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والباقون بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر فإن قيل : كيف قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم احكم بالحق والله تعالى لا يحكم إلا بالحق؟ أجيب : بأن الحق ههنا بمعنى العذاب ، فكأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر ، نظيره قوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف ، ٨٩] ، وقال أهل المعاني : معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه ، والله تعالى يحكم بالحق طلب أم لم يطلب ، ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه الحق (وَرَبُّنَا) أي : المحسن إلينا أجمعين (الرَّحْمنُ) أي : العام الرحمة لنا ولكم بإدرارها علينا ، ولو لا عموم رحمته لأهلكنا أجمعين ، وإن كنا نحن أطعناه لأنّا لا نقدره حقّ قدره ، (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ، ٤٥](الْمُسْتَعانُ) أي : المطلوب منه العون (عَلى ما تَصِفُونَ) من كذبكم على الله تعالى في قولكم : اتخذ الله ولدا ، وعليّ في قولكم ساحر ، وعلى القرآن في قولكم شعر قال الرازي : روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقول ذلك في حروبه ، ولم يذكر له سندا ، وأما ما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ اقترب حاسبه الله حسابا يسيرا ، وصافحه وسلّم عليه كل نبيّ ذكر اسمه في القرآن» (١) ، فحديث موضوع والله تعالى أعلم بالصواب.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ١٤١.