صلىاللهعليهوسلم خاتم الأنبياء فنحن أولى بالله منكم ، وعن ابن عباس أنها نزلت كذلك لكن قال أهل الكتاب : نحن أولى بالله وأقدم بين يديكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم وقال المسلمون : نحن أحق بالله منكم آمنا بنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنكم تعرفون نبينا وكتابنا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا ، فهذه خصومتهم في ربهم ، وقيل : المؤمنون والكافرون من أيّ ملة كانوا فالمؤمنون خصم والكفار خصم ، وقيل : الخصمان الجنة والنار لما روي عن أبي هريرة أنه قال «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله عزوجل للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها» (١) وعن عكرمة فقالت النار خلقني الله لعقوبته وقالت الجنة خلقني الله لرحمته وهذا القول بعيد عن السياق ؛ لأنّ الله تعالى ذكر جزاء الخصمين بقوله تعالى : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) وهو الفصل بينهم المعني بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ قُطِّعَتْ) أي : قدّرت (لَهُمْ) على تقادير جثثهم (ثِيابٌ مِنْ نارٍ) أي : نيران تحيط بهم إحاطة الثياب سابغة عليهم كما كانوا يسبلون الثياب في الدنيا تفاخرا وتكبرا وعن إبراهيم التيمي أنه قال : سبحان من قطع من النار ثيابا. وعن سعيد بن جبير قال : قطعت من نحاس وليس من الآنية شيء إذا حمى أشدّ حرارة منه. وقال في قوله : (يُصَبُ) أي : ادخلوها (مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) قال ابن النحاس يذاب على رؤوسهم ولكن المشهور أنه الماء الحار وعن ابن عباس : لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها ، والجملة حال من الضمير في لهم ، أو خبر ثان وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم وقرأ حمزة والكسائي بضم الهاء والميم والباقون بكسر الهاء وضم الميم هذا في الوصل ، فإن وقف على رؤوسهم فالجميع بكسر الهاء وسكون الميم وحمزة على أصله في الوقف على رؤوسهم بتسهيل الهمزة (يُصْهَرُ) أي : يذاب (بِهِ) من شدّة حرارته (ما فِي بُطُونِهِمْ) من شحم وغيره (وَالْجُلُودُ) فيكون أثره في الباطن والظاهر سواء وقال ابن عباس يسقون ماء إذا دخل بطونهم أذابها والجلود مع البطون (وَلَهُمْ مَقامِعُ) جمع مقمعة بكسر ثم فتح وهو عمود حديد وقيل : سوط يضرب به الوجه والرأس ليردّ المضروب عن مراده ردّا عنيفا ثم نفي المجاز بقوله تعالى : (مِنْ حَدِيدٍ) أي : يقمعون بها روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لو أنّ مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) أي : من تلك الثياب أو من النار (مِنْ غَمٍ) أي : كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفسهم (أُعِيدُوا فِيها) أي : ردّوا إليها بالمقامع ، وعن الحسن أنهم يضربون بلهب النار فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهو وافيها سبعين خريفا ، وعن الفضيل بن عياض قال : والله ما طمعوا في الخروج لأنّ الأرجل مقيدة والأيدي موثقة ولكن يرفعهم لهبها وتردّهم مقامعها وعن الحسن قال كان عمر يقول أكثروا ذكر النار فإنّ حرّها شديد ، وقعرها بعيد ، وإنّ مقامعها من حديد (وَ) قيل لهم (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي :
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٠ ، وباب ١ ، ومسلم في الجنة حديث ٣٦ ، والترمذي في الجنة باب ٢٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٤.