على أنه لا يلبسه مع السابقين فإنّ من مات على الإسلام لا بدّ من دخوله الجنة أو على من استحله من الرجال المكلفين (وَهُدُوا) أي : في الدنيا (إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) قال ابن عباس : هو شهادة أن لا إله إلا الله وقيل هو لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ، وقال السدي : هو القرآن. وقال عطاء : هو قول أهل الجنة الحمد لله الذي صدقنا وعده (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) أي طريق الله المحمود ودينه فكان فعلهم حسنا كما كان قولهم حسنا فدخلوا الجنة التي هي أشرف دار عند خير جار ، وحلوا فيها أشرف الحلي كما تحلوا في الدنيا بأشرف الطرائق عكس الكفار فإنهم آثروا الفاني لحضوره وأعرضوا عن الباقي مع شرفه لغياته فدخلوا نارا كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ثم ذكر تعالى بعد ما فصل بين الفريقين حرمة البيت وعظم جرم من صدّ عنه فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أوقعوا هذا الفعل الخبيث وصح عطف (وَيَصُدُّونَ) وإن كان مضارعا على الماضي لأنّ المضارع قد لا يلاحظ منه زمان معين من حال أو استقبال بل يكون المقصود منه الدلالة على مجرّد الاستمرار كما يقال : فلا يحسن إلى الفقراء لا يراد حال ولا استقبال وإنما يراد استمرار وجود الإحسان منه فالصدود منهم مستمرّ دائم للناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : عن طاعته باقتسامهم طرق مكة يقول بعضهم لمن يمرّ به خرج فينا ساحر وآخر يقول شاعر وآخر يقول كاهن فلا تسمعوا منه فإنه يريد أن يردكم عن دينكم حتى قال من أسلم لم يزالوا بي حتى جعلت في أذني الكرسف مخافة أن أسمع شيئا من كلامهم وكانوا يؤذون من أسلم إلى غير ذلك من أعمالهم (وَ) يصدّون عن (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن تقام شعائره من الطواف بالبيت ، والصلاة ، والحج ، والاعتمار ممن هو أهل ذلك من أوليائنا ، ثم وصفه بما يبين شديد ظلمهم في الصدّ عنه بقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلْناهُ) بما لنا من العظمة (لِلنَّاسِ) أي : كلهم ثم بين جعله لهم بقوله تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ) أي : المقيم (فِيهِ وَالْبادِ) أي. الطارىء من البادية وهو الجائي إليه من غربة ، وقال بعضهم : يدخل في العاكف الغريب إذا جاءه للتعبد وإن لم يكن من أهله قال الزمخشري : وقد استشهد بهذا أصحاب أبي حنيفة قائلين إنّ المراد بالمسجد الحرام مكة على امتناع جواز بيع دور مكة وإجارتها انتهى. وأيضا هو مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وإسحاق الحنطي المعروف بابن راهويه قال البيضاويّ وهو مع ضعفه معارض بقوله تعالى : (الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة ، ٢٤٣] الآية. وشرى عمر دارا ليسجن فيها من غير نكير انتهى ووجه الرازي الضعيف بقوله : لأن العاكف قد يراد به الملازم للمسجد المعتكف فيه على الدوام أو في الأكثر فلا يلزم ما ذكر ويحتمل أن يراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كل وقت من الأوقات من التعبد فيه فلا وجه لصرف الكلام عن ظاهره مع هذه الاحتمالات انتهى واستدل أيضا للجواز بقوله صلىاللهعليهوسلم لما قال له أسامة بن زيد «يا رسول الله أتنزل غدا بدارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» (١) وكان عقيل ورث أبا طالب دون علي وجعفر لأنهما كانا مسلمين ولا يورث إلا ما كان الميت مالكا له قال الروياني : ويكره بيعها وإجارتها للخروج من الخلاف ونازعه النووي في مجموعه وقال : إنه خلاف الأولى لأنه لم يرد فيه نهي مقصود والأوّل كما قال الزركشيّ هو المنصوص بل اعترض على النوويّ فإنه صرّح بكراه بيع المصحف والشطرنج ولم يرد في ذلك نهي مقصود.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الحج باب ٤٤ ، ومسلم في الحج حديث ٤٣٩ ، وابن ماجه في الفرائض باب ٦.