فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))
(وَإِذْ) أي : واذكر إذ (بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أي : جعلنا له مكان البيت مبوّأ أي : مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة ، فإنّ البيت رفع إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها : الخجوج كشفت ما حوله فبناه على أسّه القديم ، وقيل : بعث الله تعالى له سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن علي دوري فبنى عليه ، وعن عطاء بن أبي رباح قال : لما أهبط الله آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع تسبيح أهل السماء ودعاءهم وأنس إليهم فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها ، وقيل في صلاتها فأخفضه الله تعالى إلى الأرض ، فلما فقدما كان يسمع منهم استوحش وقيل : أوّل من بني البيت إبراهيم لما روى وورد في الصحيحين عن بي ذر قال : «قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أولا؟ قال المسجد الحرام ، قلت : ثم أيّ؟ قال : بيت المقدس قلت كم بينهما قال أربعون سنة» (١) ثم فسر التبوئة بقوله تعالى : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها وعطف على النهي قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أي : عن كل ما لا يليق به من الأوثان والأقذار وطواف عريان به كما كان العرب تفعل (لِلطَّائِفِينَ) أي : الذين يطوفون بالبيت فإن قيل كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسير للتبوئة؟ (أجيب) بأنّ التبوئة لما كانت مقصودة من أجل العبادة فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفتين ، وقال ابن عباس للطائفين بالبيت من غير أهله (وَالْقائِمِينَ) أي : المقيمين (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي : المصلين من الكل وقال غيره القائمين هم المصلون لأنّ المصلي لا بدّ أن يكون في صلاته جامعا بين القيام والركوع والسجود ، قال البيضاويّ : ولعله عبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أنّ كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك كيف وقد اجتمعت (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) أي : أعلمهم وناد فيهم (بِالْحَجِ) وهو قصد البيت على سبيل التكرار للعبادة المخصوصة بالمشاعر المنصوصة ، وفي المأمور بذلك قولان.
أحدهما : وعليه أكثر المفسرين أنه إبراهيم ، قالوا : لما فرغ من بناء البيت قال الله تعالى له أذن في الناس بالحج. قال : يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال : عليك الأذان وعليّ البلاغ فصعد
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ١٠ ، ٤٠ ، ومسلم في المساجد حديث ١ ، ٢ ، والنسائي في المساجد باب ٣ ، وابن ماجه في المساجد باب ٧ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦٦ ، ١٦٧.