أن تنفق عليه فنزلت هذه الآية ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : «كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت بمكة بغيّ يقال لها عناق ، وكانت صديقة له في الجاهلية ، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها ، فقال مرثد : إن الله حرم الزنا ، فقالت : فانكحني ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقا ، فأمسك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يرد عليّ شيئا ، فنزل : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ،) فدعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرأها عليّ وقال : لا تنكحها» (١) أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داوود بألفاظ متقاربة المعنى.
فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصا في حق أولئك دون سائر الناس ، وقال قوم منهم سعيد بن جبير والضحاك ، ورواية عن ابن عباس : المراد من النكاح هو الجماع ، ومعنى الآية : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك ، وقال يزيد بن هارون : إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك وإن جامعها وهو محرّم فهو زان ، وعن عائشة رضي الله عنها : إن الرجل إذا زنا بامرأة ليس له أن يتزوجها لهذه الآية ، وإذا باشرها كان زانيا. وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول : إذا تزوج الزاني الزانية فهما زانيان أبدا. وقال الحسن : الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة ، والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود. وقال سعيد بن المسيب وجماعة منهم الشافعي رحمهالله تعالى : إن حكم الآية منسوخ ، وكان نكاح الزانية حراما بهذه الآية فنسخها الله تعالى بقوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور ، ٣٢] ، وهو جمع أيم وهي من لا زوج لها ، فدخلت الزانية في أيامى المسلمين واحتج من جوّز نكاح الزانية بما روي عن جابر «أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس ، قال : طلقها ، قال فإني أحبها وهي جميلة ، قال : استمتع بها» ، وفي رواية غيره «أمسكها إذا» (٢) وقد أجازه ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه ، وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن ذلك فقال : «أوله سفاح وآخره نكاح» (٣) ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضرب رجلا وامرأة زنيا ، وحرّض أن يجمع بينهما فأبى الغلام.
ولما نفّر سبحانه وتعالى عن نكاح من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة نهى عن الرمي به فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) أي : بالزنا (الْمُحْصَناتِ) جمع محصنة وهي هنا المسلمة الحرة المكلفة العفيفة وهذا هو الحكم الثالث والذي يدل على أن المراد الرمي بالزنا أمور : أحدها : تقدم ذكر الزنا ، ثانيها : أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف فدل ذلك على أن المراد بالرمي رميها بضد ذلك ، ثالثها : انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا ، رابعها : قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) أي : إلى الحكام (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي : ذكور ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير شرط إلا في الزنا وشرط القاذف الذي يحد بسبب القذف
__________________
(١) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢٠٥١ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣١٧٧ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٢٢٨.
(٢) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢٠٤٩ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٢٢٩.
(٣) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٤٥٦٥٧.