مثل أن يضرب كل يوم سوطا أو سوطين ، فإن فرق وضرب والألم موجود كفى ، وإن وجب الحدّ على حامل لا يقام عليها حتى تضع وترضعه حتى ينفطم ويندب أن يحفر للمرأة إلى صدرها إن ثبت زناها بالبينة لا بإقرارها ولا يندب للرجل مطلقا ، وإن وجب الحدّ على المريض نظر إن كان يرجى زواله كصداع انتظر أو لا يرجى كالزمانة فلا يؤخر ولا يضرب بالسياط بل بعثكال عليه مائة شمراخ ، فيقوم ذلك مقام جلده ، وأما في حال الحر والبرد الشديدين فإن كان الحدّ رجما لم يؤخر لأن النفس مستوفاه ، وإن كان جلدا أخر إلى اعتدال الهواء ، ويقبل رجوع الزاني عن إقراره ، ولو في أثناء الحدّ ، وإذا مات في الحدّ يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.
الحكم الثاني قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ) أي : لا يتزوج (إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) أي : المعلوم اتصافه بالزنا مقصور نكاحه على زانية أو مشركة (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها) أي : لا يتزوجها (إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ،) أي : والمعلوم اتصافها بالزنا مقصور نكاحها على زان أو مشرك إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء ، فإن المشاكلة علة الألفة والانضمام والمخالفة سبب النفرة والافتراق ، وقال بعضهم : الجنسية علة الضم والمشاكلة سبب المواصلة ، والمخالفة توجب المباعدة وتحرم المؤالفة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (١) ، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه خطب أهل الكوفة بعد ثلاثة أيام من مقدمه عليهم ، فقال : يا أهل الكوفة قد علمنا شراركم من خياركم ، فقالوا : كيف وما لك إلا ثلاثة أيام؟ فقال : كان معنا شرار وخيار فانضم خيارنا إلى خياركم وشرارنا إلى شراركم ، وعن الشعبي أنه قال : إنّ لله ملكا موكلا بجمع الأشكال بعضها إلى بعض ، وقال القائل (٢) :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه |
|
فكل قرين بالمقارن يقتدي |
فإن قيل : لما قدمت الزانية على الزاني أولا ، ثم قدم عليها ثانيا؟ أجيب : بأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا وأوّلا في ذلك بدىء بذكرها ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الراغب فيه والخاطب ، ومنه يبدو الطلب (وَحُرِّمَ ذلِكَ) أي : نكاح الزاني والزانية تحريما لا مشوبة فيه (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) واختلف العلماء في معنى الآية وحكمها ، فقال قوم منهم مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية عن ابن عباس قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغاياهنّ يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهنّ لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، فنزلت هذه الآية ، وحرم ذلك على المؤمنين أن يتزوّجوا تلك البغايا لأنهن كنّ مشركات ، وقال عكرمة : نزلت في نساء كن بمكة وبالمدينة لهن رايات يعرفن بهن منهن : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة فاستأذن رجل منهم النبي صلىاللهعليهوسلم في نكاح أم مهزول فاشترطت
__________________
(١) أخرجه أبو داود حديث ٤٨٣٣ ، والترمذي حديث ٢٣٧٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٠٣ ، ٣٣٤.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.