والثالث : وهو الأصح أنه يعزر ؛ لأن الحدّ شرع للزجر عما تميل النفس إليه ، وضعفوا حديث ابن عباس لضعف إسناده ، وهو وإن ثبت فهو معارض بما روي أنه صلىاللهعليهوسلم : «نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله» (١).
وأما السحاق من النساء وإتيان المرأة الميتة والاستمناء باليد فلا يشرع فيه شيء من ذلك إلا التعزير والمقيم للحد هو الإمام أو نائبه ، وللسيد أن يقيم الحدّ على رقيقه ولا تجوز الشفاعة في إسقاط الحدّ ولا تركه ولا تخفيفه كما قال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ) أي : على أي حال من الأحوال (بِهِما رَأْفَةٌ) أي : رحمة ورقة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها ، وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة والباقون بسكونها ، والسوسي على أصله من البدل ، وقيل : معنى الرأفة أن يخففوا الضرب (فِي دِينِ اللهِ) أي : الذي شرعه لكم ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» (٢) ، روي أن عمر رضي الله عنه جلد جارية له زنت ، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها ، فقال له ابنه : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، فقال : يا بني إن الله تعالى لم يأمرنا بقتلها وقد ضربت فأوجعت. ثم إنه سبحانه وتعالى زاد في الحض على ذلك بقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي : الذي هو أرحم الراحمين فإنه ما شرع ذلك الا رحمة للناس عموما وللزانين خصوصا فلا تزيدوا في الحد ولا تنقصوا منه شيئا ، وفي الحديث «يؤتى بوال نقص من الحدود سوطا فيقول : رحمة لعبادك ، فيقال له : أنت أرحم مني ، فيؤمر به إلى النار ، ويؤتي بمن زاد سوطا فيقول : لينتهوا عن معاصيك ، فيؤمر به إلى النار» (٣) وعن أبي هريرة : إقامة حد بأرض خير من مطر أربعين ليلة. ثم أتبع ذلك بما يرهبه بقوله تعالى : (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير والخفي والجلي (وَلْيَشْهَدْ) أي : وليحضر (عَذابَهُما) أي : حدهما إذا أقيم عليهما (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) والطائفة الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول الشيء ، وعن ابن عباس في تفسيرها : أربعة إلى أربعين رجلا من المصدقين بالله تعالى ، وعن الحسن : عشرة ، وعن قتادة : ثلاثة فصاعدا ، وعن عكرمة : رجلان فصاعدا ، وعن مجاهد : أقلها رجل فصاعدا ، وقيل : رجلان وفضل قول ابن عباس ؛ لأن الأربعة هي الجماعة التي يثبت بها الزنا. ولا يجب على الإمام حضور رجم ولا على الشهود لأنه صلىاللهعليهوسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضر رجمهما ، وإنما خص المؤمنين بالحضور ؛ لأن ذلك أفضح ، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل ، ويشهد له قول ابن عباس : إلى أربعين رجلا من المصدقين بالله.
تنبيه : الضرب يكون بسوط لا حديد يجرح ولا خلق لا يؤلم ، ويفرق بين السياط على أعضائه ولا يجمعها في موضع واحد ، واتفقوا على أنه يتقي المهالك كالوجه والبطن والفرج ويضرب على الرأس لقول أبي بكر رضي الله عنه : اضرب على الرأس فإن الشيطان فيه ، ولا يشد يده وينزع الثياب التي تمنع ألم الضرب كالفرو ، ولو فرق سياط الحدّ تفريقا لا يحصل به التنكيل
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٧٥ ، ومسلم في الحدود حديث ١٦٨٨ ، والترمذي في الحدود حديث ١٤٣٠.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.