تعالى : (وَيَدْرَؤُا) أي : يدفع (عَنْهَا) أي : المقذوفة (الْعَذابَ) أي : المعهود وهو الحدّ الذي أوجبه عليها كما تقدّم (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ) من خمس (بِاللهِ) الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا كما تقدم في الزوج (إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) فيما قاله عليها (وَالْخامِسَةَ) من الشهادات (أَنَّ غَضَبَ اللهِ) الذي له الأمر كله (عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي : فيما رماها به.
روى البخاري في تفسيره وغيره عن ابن عباس «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سحماء ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «البينة أو حد في ظهرك» فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ، فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «البينة أو حد في ظهرك» ، فقال هلال بن أمية : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) حتى بلغ (إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ،) فانصرف النبي صلىاللهعليهوسلم فأرسل إليهما فجاءا ، فقام هلال بن أمية ، فشهد والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «والله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب» ، ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة أوقفوها وقالوا : إنها موجبة ؛ قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين ، فهو لشريك ابن سمحاء» ، فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو لا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» (١).
وقد روى البخاري أيضا عن سهل ابن سعد أن سبب نزولها قصة مثل هذه لعويمر رضي الله عنه وقد تقدم أنه لا يمتنع أن يكون للآية الواحدة عدّة أسباب معا أو متفرقة.
تنبيه : خصت المرأة بالغضب لأنه أبلغ من اللعن الذي هو الطرد لأنه قد يكون بسبب غير الغضب ، وسبب التغليظ عليها الحث على اعترافها بالحق لما يصدق الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة أهله المستلزم لفضيحته إلا وهو صادق ، ولأنها مادة الفساد وخالطة الأنساب ، ويشترط في اللعان أمر القاضي وتلقينه كلماته في الجانبين فيقول : قل أشهد بالله إلخ ؛ لأنّ اللعان يمين واليمين لا يعتد بها قبل استحلاف القاضي ، وإن غلب فيه معنى الشهادة ، فهي لا تؤدى عنده إلا بإذنه وأن يتأخر لعانها عن لعانه لأن لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان الزوج كما علم مما مرّ ، ويلاعن أخرس بإشارة مفهمة أو كتابة ويكرر كلمة الشهادة أربعا أو يكتبها مرّة ويشير إليها أربعا ، ويصح اللعان بالعجمية ، وإن عرف العربية ويشترط الولاء بين الكلمات الخمس فيؤثر الفصل الطويل ولا يشترط الولاء بين لعاني الزوجين ، ولو أبدل لفظ شهادة بحلف ونحوه أو لفظ غضب بلعن أو عكسه أو ذكره قبل تمام الشهادة لم يصح ذلك ويصح أن يتلاعنا قائمين وإن يغلظ اللعان بزمان وهو بعد عصر الجمعة فيؤخر إليه إن لم يكن طلب أكيد وإلا فبعد عصر أي يوم كان وبمكان عند أشرف بلد اللعان فبمكة بين الحجر الأسود والمقام ، وهو المسمى بالحطيم ، والمدينة على المنبر ، وبيت المقدس عند الصخرة ، وغيرها على منبر الجامع ، وتلاعن حائض بباب المسجد وذمي في بيعة للنصارى ، وكنيسة لليهود وبيت نار لمجوس ؛ لأنهم يعظمونها لا بيت أصنام وثني ؛ لأنه لا حرمة له.
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٧٤٧ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣١٧٩ ، وأبو داود في الطلاق حديث ٢٢٥٤ ، وابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠٦٧.