وقرأ حفص : والخامسة الأخيرة بالنصب ، والباقون بالرفع. وقرأ نافع بتخفيف النون ساكنة وكسر الضاد ورفع الهاء من الاسم الجليل والباقون بتشديد النون منصوبة ونصب الضاد وخفض الهاء.
ولما حرّم سبحانه وتعالى بهذه الجمل الأعراض والأنساب فصان بذلك الدين والأموال ، علم أن التقدير فلو لا أنه سبحانه خير الغافرين وخير الراحمين لما فعل بكم ذلك ولا فضح المذنبين وأظهر سرائر المستخفين ، ففسد النظام فعطف على هذا الذي علم تقديره قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) أي : بما له من الكرم والاتصاف بصفات الكمال (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أي : بكم بالستر في ذلك (وَأَنَّ اللهَ) أي : الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما (تَوَّابٌ) بقبوله التوبة في ذلك وغير ذلك (حَكِيمٌ) يحكم الأمور فيمنعها من الفساد بما يعلم من عواقب الأمور لفضح كل عاص ، ولم يوجب أربعة شهداء سترا لكم. الحكم.
الخامس : قصة الإفك المذكورة في قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨))
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) أي : أسوأ الكذب سمي إفكا لكونه مصروفا عن الحق من قولهم : أفك الشيء إذا صرفه عن جهته ، وذلك أن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف والعفة والكرم ، فمن رماها بسوء فقد قلب الأمر عن أحسن وجوهه إلى أقبح أفضائه.
فإن قيل : لم ترك تسميتها؟ أجيب : بأنه تركه تنزيها لها عن هذا المقال وإبعادا لصون جانبها العلي عن هذا المراد ، وقوله تعالى : (عُصْبَةٌ) خبر إنّ أي : جماعة أقلهم عشرة وأكثرهم أربعون وكذا العصابة وقوله تعالى : (مِنْكُمْ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن يعد عندكم في عداد المسلمين يريد عبد الله بن أبيّ وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ، وقوله تعالى : (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) مستأنف أي : لا تنشأ عنه فتنة ولا يصدقه أحد (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لاكتسابكم به الثواب العظيم ؛ لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة ، وظهور كرامتكم على الله تعالى بإنزال ثمان عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم ، والثناء على من ظن بكم خيرا كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتسلية له ، وتبرئة لأم المؤمنين رضوان الله تعالى عليها وتطهير لأهل البيت وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به ، فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة ، وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمّلها ، ولما كان لا شفاء لغيظ الإنسان أعظم من