معي في الجنة فأعطاني» (١) رواه الحاكم وصحح إسناده.
أما التسري بالكافرة فلا يحرم ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم تسرى بريحانة وكانت يهودية من بني قريظة ولا يشكل تعليلهم السابق من أنه أشرف أن يضع ماءه في رحم كافرة ؛ لأن القصد بالنكاح أصالة التوالد فاحتيط له ، وبأنه يلزم منه أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين بخلاف الملك فيهما (هذا بُهْتانٌ) أي : كذب يبهت من يواجه به ويحيره لشدّة ما يفعل في القوى الباطنة ؛ لأنه في غاية الغفلة عنه لكونه أبعد الناس منه ، ثم هوّنه بقوله (عَظِيمٌ) لعظمة المبهوت عليه ، فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها.
ولما كان هذا كله وعظا لهم واستصلاحا ترجمه بقوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ) أي : يرقق قلوبكم الذي له الكمال كله ، فيمهل بحلمه ولا يهمل بحكمته (أَنْ) أي : كراهة أن (تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي : ما دمتم أحياء مكلفين ، ثم عظم هذا الوعظ بقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : متصفين بالإيمان راسخين فيه ، فإنكم لا تعودون ، فإن الإيمان يمنع عنه ، وهذا تهييج وتقريع لا أنه يخرج عن الإيمان كما تقول المعتزلة.
فإن قيل : هل يجوز أن يسمى الله واعظا كقوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ؟) أجيب : بأنه لا يجوز كما قاله الرازي ، قال : كما لا يجوز أن يسمى الله معلما كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن ، ١] ؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية.
(وَيُبَيِّنُ اللهُ) أي : بما له من صفات الكمال والإكرام (لَكُمُ الْآياتِ) أي : الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا (وَاللهُ) أي : المحيط بجميع الكمال (عَلِيمٌ) أي : بما يأمر به وينهى عنه (حَكِيمٌ) لا يضع شيئا إلا في أحكم مواضعه وإن دق عليكم فهم ذلك فلا تتوقفوا في أمر من أوامره.
ولما كان من أعظم الوعظ بيان ما يستحق على الذنب من العقاب بينه بقوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٧ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٤١٤٧ ، وابن كثير في تفسيره ٥ / ٤٩٠.