فائدة : في مقطوعة في الرسم من ما كما ترى ، ثم بين تعالى وقت حلول العذاب وزمان تعجيله بقوله تعالى : (إِذْ) أي : مسكم حين (تَلَقَّوْنَهُ) أي : تجتهدون في تلقي أي : قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه (بِأَلْسِنَتِكُمْ) أي : يرويه بعضكم عن بعض وذلك أن الرجل منهم كان يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقيا يلقيه بعضهم إلى بعض ، وحذفت من الفعل إحدى التاءين (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) أي : كلاما مختصا بالأفواه فهو كلام لا حقيقة له فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل وأكد هذا المعنى بقوله تعالى : (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي : بوجه من الوجوه وتنكيره للتحقير.
فإن قيل : القول لا يكون إلا بالفم ، فما معنى قوله تعالى : (بِأَفْواهِكُمْ؟) أجيب : بأن معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران ، ١٦٧](وَتَحْسَبُونَهُ) بدليل سكوتكم عن إنكاره (هَيِّناً) أي : لا إثم فيه (وَهُوَ) أي : والحال أنه (عِنْدَ اللهِ) أي : الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته (عَظِيمٌ) في الوزر واستجرار العذاب فهذه ثلاثة آثام مرتبة علق بها مس العذاب العظيم تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك ، وهو عند الله تعالى عظيم :
(وَلَوْ لا) أي : وهلا ولم لا (إِذْ) أي : حين (سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) من غير توقف ولا تلعثم (ما يَكُونُ) أي : ما ينبغي وما يصح (لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) أي : القول المخصوص ويجوز أن تكون الإشارة إلى نوعه فإن قذف آحاد الناس محرم ، فكيف بمن اختارها العليم الحكيم لصحبة أكمل الخلق.
فإن قيل : كيف جاز الفصل بين لو لا وقلتم؟ أجيب : بأن الظروف تنزل من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيها وأنها لا انفكاك لها عنه فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها.
فإن قيل : أيّ فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ أجيب : بأن الفائدة فيه بيان أنه كان الواجب عليهم أن يذبوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم.
فإن قيل : ما معنى يكون والكلام بدونه ملتئم لو قيل ما لنا أن نتكلم بهذا؟ أجيب : بأن معناه ينبغي ويصح أي : ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا وما يصح لنا كما تقدم تقريره ، ونحوه (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة ، ١١٦] ، وقوله تعالى : (سُبْحانَكَ) تعجب من أن يخطر ذلك بالبال في حال من الأحوال.
فإن قيل : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ أجيب : بأن الأصل في ذلك أن يسبح الله تعالى عند رؤية التعجب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه ، وقيل : تنزيه ، فهو منزه عن أن يرضى بظلم هؤلاء القذفة ، وعن أن لا يعاقبهم وعن أن تكون حرمة نبيه صلىاللهعليهوسلم فاجرة ، قال البيضاوي : فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فإنه لا ينفر أي : ولهذا كانت امرأة نوح ولوط كافرتين ، وهذا يقتضي حل نكاح الكتابية مع أنها لا تحل له صلىاللهعليهوسلم لأنها تكره صحبته ؛ ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة بنكاح ولقوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب ، ٦] ولا يجوز أن تكون الكافرة أم المؤمنين ، ولخبر «سألت ربي أن لا أزوج إلا من كانت