قاله الراغب وشاطأ فلانا ماشيته سار بها على الشاطئ ، وقوله تعالى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متعلق بنودي أو بمحذوف على أنه حال من الشاطئ ومعنى المباركة جعلها الله تعالى مباركة لأنّ الله تعالى كلم موسى عليهالسلام هناك وبعثه نبيا ، وقال عطاء : يريد المقدسة وقوله تعالى : (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل من شاطئ الوادي بإعادة الجار بدل اشتمال لأنّ الشجرة كانت ثابتة على الشاطئ ، قال البقاعي : ولعلّ الشجرة كانت كبيرة فلما وصل إليها دخل النور من طرفها إلى وسطها فدخلها وراءه بحيث توسطها فسمع وهو فيها الكلام من الله تعالى حقيقة وهو المتكلم سبحانه وتعالى لا الشجرة.
قال القشيري : وحصل الإجماع على أنه عليهالسلام سمع تلك الليلة كلام الله تعالى ولو كان ذلك نداء الشجرة لكان المتكلم الشجرة وقال التفتازانيّ في شرح المقاصد إنّ اختيار حجة الإسلام أنه سمع كلامه الأزليّ بلا صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة بلا كمّ ولا كيف.
واختلف في الشجرة ما هي؟ فقال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت عوسجة ، وقال وهب : من العليق ، وعن ابن عباس أنها العناب ، ثم ذكر المنادى به بقوله تعالى : (أَنْ يا مُوسى) فأن هي مفسرة لا مخففة (إِنِّي أَنَا اللهُ) أي : المستجمع للأسماء الحسنى والصفات العليا ، وفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو وسكنها الباقون ثم وصف نفسه سبحانه تعالى بقوله (رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : خالق الخلائق أجمعين ومربيهم ، قال البيضاوي : هذا وإن خالف ما في طه والنمل في اللفظ فهو طبقه في المقصود انتهى ، وقال ابن عادل : واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨] وقال ههنا (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وقال في سورة طه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ولا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل إلا أنه تعالى حكى في كل سورة ما اشتمل عليه ذلك النداء.
ثم إنّ الله تعالى أمره أن يلقي عصاه ليريه آية بقوله تعالى : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) أي : لأريك فيها آية فألقاها فصارت في الحال حية عظيمة وهي مع عظمها في غاية الخفة (فَلَمَّا رَآها) أي : العصا (تَهْتَزُّ) أي : تتحرّك كأنها في سرعتها وخفتها (جَانٌ) أي : حية صغيرة (وَلَّى مُدْبِراً) خوفا منها ولم يلتفت إلى جهتها وهو معنى قوله تعالى (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : موسى عليهالسلام وذلك كناية عن شدّة التصميم على الهرب والإسراع فيه خوفا من الإدراك في الطلب فقيل له (يا مُوسى أَقْبِلْ) أي : التفت وتقدّم إليها (وَلا تَخَفْ) ثم أكد له الأمر لما الآدميّ مجبول عليه من النفرة وإن اعتقد صحة الخبر بقوله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) أي : العريقين في الأمن كعادة إخوانك من المرسلين فإنه لا يخاف لديّ المرسلون.
ثم زاد طمأنينة بقوله تعالى : (أَسْئَلَكَ) أي : ادخل على الاستقامة مع الخفة والرشاقة (يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي : القطع الذي في ثوبك وهو الذي يخرج منه الرأس أو هو الكم كما يدخل السلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الدرّ (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) بياضا عظيما يكون له شأن خارق للعادات (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي : عيب من أثر الحريق الذي عجز فرعون عن مداواته أو غيره فخرجت ولها شعاع كشعاع الشمس يعشي البصر.
تنبيه : قد ذكر هذا المعنى بثلاث عبارات إحداها هذه وثانيتها : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) [طه : ٢٢] وثالثتها : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) [النمل ، ١٢].