المشتغلون بالطاعة ، فكأنه رحمهالله تعالى إنما أخذه من هذه الآية انتهى ، وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة لاشتماله على الالتفات للإعراض به عن خطابهم ، والباقون بالتاء على الخطاب جريا على ما تقدّم.
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ) على عظمتنا في الغنى والقدرة والصدق (وَعْداً حَسَناً) لا شيء أحسن منه في موافقته للأمنية وبقائه وهو الجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود ولذلك سمى الله تعالى الجنة بالحسنى (فَهُوَ لاقِيهِ) أي : مدركه لامتناع الخلف في وعده ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب للتحسر على الانقطاع ، وعن ابن عباس أن الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف : المؤمن والمنافق والكافر فالمؤمن يتزوّد والمنافق يتزين والكافر يتمتع (ثُمَّ هُوَ) مع ذلك كله (يَوْمَ الْقِيامَةِ) الذي هو يوم التغابن من خسر فيه لم يربح أصلا (مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي : المقهورين على الحضور إلى مكان يود لو افتدى منه بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه ، قال قتادة يحضره المؤمن والكافر ، قال مجاهد : نزلت في النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأبي جهل ، وقال محمد بن كعب نزلت في حمزة وعلي وفي أبي جهل ، وقال السدّي : نزلت في عمار والوليد بن المغيرة.
تنبيه : ثم لتراخي حال الإحضار عن حال التمتع في الزمان أو الرتبة ، وقرأ ثم هو قالون والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بالضم.
(وَيَوْمَ) أي : واذكر يوم (يُنادِيهِمْ) أي : ينادي الله هؤلاء الذين يضلون الناس ويصدّون عن سبيل الله (فَيَقُولُ) أي : الله تعالى (أَيْنَ شُرَكائِيَ) من الأوثان وغيرهم ثم بين أنهم لا يستحقون هذا الاسم بقوله تعالى : (الَّذِينَ كُنْتُمْ) أي : كونا عريقين فيه (تَزْعُمُونَ) أنها تشفع ليدفعوا عنكم وعن أنفسهم فيخلصكم من هذا الذي نزل بكم.
تنبيه : تزعمون مفعولاه محذوفان أي : تزعمونهم شركائي (قالَ الَّذِينَ حَقَ) أي : ثبت ووجب (عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : بدخول النار وهم رؤوس الضلالة وهو قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود ، ١١٩] وغيره من آيات الوعيد وقولهم (رَبَّنا هؤُلاءِ) إشارة للإتباع (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) أي : أوقعنا الإغواء وهو الإضلال بهم صفته والعائد حذف وقولهم (أَغْوَيْناهُمْ) أي : فغووا باختيارهم (كَما غَوَيْنا) أي : نحن فهؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفته والراجع إلى الموصول محذوف وأغويناهم الخبر والكاف صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا لا أنّ فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء ، أو دعونا إلى الغي وسوّلوه لنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأنّ إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا لا قسرا وإلجاء فلا فرق إذا بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا لهم داعيا إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله تعالى لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وبما بعث إليهم من الرسل وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر وناهيك بذلك صارفا عن الكفر وداعيا إلى الإيمان ، وهذا معنى ما حكاه الله تعالى عن الشيطان : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [إبراهيم ، ٢٢].
تنبيه : اعترض أبو علي على الزمخشريّ في هذا الإعراب بأن الخبر ليس فيه زيادة فائدة على