أنها للتعدية كالهمزة ولا قلب في الكلام والمعنى لتنيء المفاتح العصبة الأقوياء كما تقول أجأته وجئت به وأذهبته وذهبت به ، والثاني : قال أبو عبيدة : إن في الكلام قلبا والأصل لتنوء العصبة بالمفاتح أي : لتنهض بها كقولهم عرضت الناقة على الحوض.
ولما ذكر الله تعالى بغيه ذكر وقته بقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) أي : من بني إسرائيل (لا تَفْرَحْ) أي : بكثرة المال فرح بطر فإن الفرح بالعرض الزائل يدل على الركون إليه وذلك يدل على نسيان الآخرة وعلى غاية الجهل وقلة التأمل بالعواقب ، قال ابن عباس : كان فرحه ذلك شركا لأنه ما كان يخاف معه عقوبة الله عزوجل (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال (لا يُحِبُ) أي : لا يعامل معاملة المحب (الْفَرِحِينَ) أي : البطرين الأشرين الراسخين في الفرح بما يفني الذين لا يشكرون الله تعالى بما أعطاهم فإن فرحهم يدل على سقوط الهمم كما قال تعالى : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد ، ٢٣] وقال القائل في ذلك (١) :
ولست بمفراح إذا الدهر سرني
وقال آخر (٢) :
أشدّ الغم عندي في سرور |
|
تيقن عنه صاحبه انتقالا |
فلا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن ، فأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما فيه عن قريب لم تحدّثه نفسه بالفرح.
(وَابْتَغِ) أي : اطلب طلبا تحمد نفسك فيه (فِيما آتاكَ اللهُ) أي : الملك الذي الأمر كله بيده من الغنى والثروة (الدَّارَ الْآخِرَةَ) بأن تقوم بشكر الله فيما أنعم الله عليك وتنفقه في رضا الله تعالى فيجازيك بالجنة (وَلا تَنْسَ) أي : ولا تترك (نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) قال مجاهد : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأنّ حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة ، وقال السدّيّ : بالصدقة وصلة الرحم.
وقال عليّ رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه لا تنسى صحتك وقوّتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة ، روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار» (٣) ، وعن ميمون الأزدي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لرجل وهو يعظه «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» (٤) ، وقال الحسن : أمر أن يقدّم الفضل ويمسك ما يغنيه ، وقال منصور بن
__________________
(١) عجزه :
ولا جازع من صرفة المتقلب
والبيت من الطويل ، وهو لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص ٧٢.
(٢) البيت بلا نسبة في الكشاف للزمخشري ٣ / ٤٣٥.
(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ١١٦.
(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٣٠٦ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٢٥١ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٤٨ ، وابن حجر في فتح الباري ١١ / ٢٣٥ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ١٥١ ، ٢٥٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٦٧.