مظاهرتهم على ما هم عليه.
(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) أي : قراءتها والعمل بها (بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي : لا ترجع إليهم في ذلك (وَادْعُ) أي : أوجد الدعاء (إِلى رَبِّكَ) أي : إلى عبادته وتوحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : بإعانتهم ، ولم يؤثر الجازم في الفعل لبنائه بخلافه في يصدنك فإنه حذف منه نون الرفع إذ أصله يصدوننك حذفت نون الرفع للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
(وَلا تَدْعُ) أي : تعبد (مَعَ اللهِ) أي : الجامع لجميع صفات الكمال (إِلهاً آخَرَ) فإن قيل : هذا وما قبله لا يقع منه صلىاللهعليهوسلم فما فائدة ذلك النهي؟ أجيب : بأنه ذكر للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم أو أن الخطاب وإن كان معه لكن المراد غيره كما في قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ثم علل ذلك بقوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلا هو كقوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩] فلا يجوز اتخاذ إله سواه ، ثم علل وحدانيته بقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي : ذاته فإنّ الوجه يعبر به عن الذات ، قال أبو العالية : إلا ما أريد به وجهه ، وقيل : إلا ملكه ، واختلفوا في قوله تعالى : (هالِكٌ) فمن الناس من فسر الهلاك بإخراجه عن كونه منتفعا به بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريدون به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعا به ، ومنهم من قال : معنى كونه هالكا كونه قابلا للهلاك في ذاته فإن كل ما عداه تعالى ممكن الوجود قابل للعدم فكان قابلا للهلاك فأطلق عليه اسم الهالك نظرا إلى هذا الوجه وعلى هذا يحمل قول النسفي في بحر الكلام سبعة لا تفنى : العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار بأهلهما من ملائكة العذاب والحور العين والأرواح (لَهُ الْحُكْمُ) أي : القضاء النافذ في الخلق (وَإِلَيْهِ) وحده (تُرْجَعُونَ) أي : في جميع أحوالكم في الدنيا وبالنشور من القبور للجزاء في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم ، وما رواه البيضاوي تبعا للزمخشريّ من قوله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدّق بموسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا» (١) ، حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤١.