واللفظ لا يقتضي أن لا يخرج واحد من المصلين عن قضيتها كما تقول : إن زيدا ينهى عن المنكر فليس غرضك أنه ينهى عن جميع المناكر وإنما تريد أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء للعموم ، وقيل : المراد بالصلاة القرآن كما قال تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) [الإسراء : ١١٠] أي : بقراءتك وأراد به من يقرأ القرآن في الصلاة فالقرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر ، روي أنه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله ويصبح سارقا قال : «ستنهاه قراءته» (١).
ولما كان الناهي في الحقيقة إنما هو ذكر الله أتبع ذلك بقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي : لأنّ ذكر المستحق لكل صفات كمال أكبر من كل شيء فذكر الله تعالى أفضل الطاعات ، قال صلىاللهعليهوسلم : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا : وما ذاك يا رسول الله قال : ذكر الله» (٢) وسئل صلىاللهعليهوسلم أي : العبادة أفضل عند الله درجة يوم القيامة قال : «الذاكرون الله كثيرا ، قالوا يا رسول الله ومن الغازين في سبيل الله فقال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكر الله كثيرا أفضل منه درجة» (٣).
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ على جبل في طريق مكة يقال له جمدان فقال : «سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» (٤) أو والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وسماها بذكر الله كما قال تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩] وإنما قال ولذكر الله أكبر ليستقلّ بالتعليل كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله ، وعن ابن عباس : ولذكر الله تعالى إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته ، وقال عطاء : ولذكر الله أكبر من أن يتقى معه معصية.
(وَاللهُ) أي : المحيط علما وقدرة (يَعْلَمُ) أي : في كل وقت (ما تَصْنَعُونَ) من الخير والشرّ فيجازيكم على ذلك.
ولما بين تعالى طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله تعالى :
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي
__________________
(١) انظر الحاشية السابقة.
(٢) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٣٧٧ ، وابن ماجه حديث ٣٧٩٠ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٩٥.
(٣) أخرجه بنحوه مسلم حديث ٢٠٦٢ ، والترمذي حديث ٣٣٧٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤١١ ، ٣ / ٧٥.
(٤) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٦٧٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٢٢٦٢.