يعمل المعصية ويتمنى المغفرة.
وروي أنّ الحارث بن عمرو أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال متى قيام الساعة وإني قد ألقيت حبا في الأرض فمتى السماء تمطر ، وحمل امرأتي أذكر أم أنثى وما أعمل غدا وأين أموت؟ فنزل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ) أي : بما له من العظمة وجميع أوصاف الكمال (عِنْدَهُ) أي : خاصة (عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : وقت قيامها لا علم لغيره بذلك أصلا (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي : في أوانه المقدّر له والمحل المعين له في علمه ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح النون وتشديد الزاي ، والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) أي : من ذكر أو أنثى أحيّ أو ميت تامّ أو ناقص (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) أي : من الأنفس البشرية وغيرها (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) أي : من خير أو شرّ وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه.
(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ : أَرْضٍ تَمُوتُ) أي : كما لا تدري في أي وقت تموت ويعلمه الله تعالى ، وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : جاء رجل من أهل البادية فقال : يا رسول الله إنّ امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد ، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعن عكرمة أنّ رجلا يقال له الوارث من بني خازن جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد متى قيام الساعة وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب ، وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد ، وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا ، وقد علمت بأيّ أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنزلت هذه الآية ، وعن قتادة قال : خمس من الغيب استأثر الله بهنّ فلم يطلع عليهنّ ملكا مقرّبا ولا نبيا مرسلا : إنّ الله عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة ولا في أي شهر أليلا أم نهارا ، وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل أليلا أم نهارا ، ويعلم ما في الأرحام فلا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى أحمر أم أسود ، ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض أفي بحر أم في برّ أم سهل أم جبل.
وعن أحمد وابن أبي شيبة موقوفا على شهر بن حوشب أنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل : من هذا؟ فقال : ملك الموت ، فقال : فكأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ، فأمر سليمان الريح فحلمته إلى بلاد الهند فوق سحابة فلما استقرّ فيها قبض روحه ملك الموت ، عليهالسلام ثم جاءإلى سليمان عليهالسلام فسأله عن نظره إلى الرجل ، فقال ملك الموت : كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذا أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك ، وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله» (١).
وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أنّ رجلا قال : يا رسول الله متى الساعة؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثكم بأشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من
__________________
(١) أخرجه البخاري في الاستسقاء باب ٢٩ ، وتفسير سورة ١٣ ، باب ١ ، والتوحيد باب ٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤ ، ٥٢ ، ٥٨.