شركة لا خلقا ولا ملكا (وَما لَهُ) أي : الله (مِنْهُمْ) وأكد النفي بإثبات الجار فقال (مِنْ ظَهِيرٍ) أي : معين على شيء مما يريده من تدبير أمرهما وغيرهما فكيف يصح مع هذا العجز أن يدعوا كما يدعى ، ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد.
ولما كان قد بقي من أقسام النفع الشفاعة وكان المقصود منها أثرها لا عينها نفاه بقوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) أي : فلا تنفعهم شفاعة كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة عند الله (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أي : وقع منه إذن له على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة ، أو أكثر في أن يشفع في غيره وفي أن يشفع فيه غيره ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة والباقون بفتحها وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) غاية لمفهوم الكلام من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ، وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملئ من الزمان وطول من التربص ، ومثل هذه الحال دل عليها قوله عز من قائل (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٧ ـ ٣٨] كأنه قيل : يتوقعون ويتربصون مليا فزعين ذاهلين حتى إذا فزع عن قلوبهم أي : كشف الفزع عن قلوبهم أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن (قالُوا) أي : قال بعضهم لبعض (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) أي : في الشفاعة ذاكرين صفة الإحسان ليرجع إليهم رجاؤهم فتسكن بذلك قلوبهم (قالُوا) قال : القول (الْحَقَ) أي : الثابت الذي لا يمكن أن يبدل ، بل يطابق الواقع فلا يكون شيء يخالفه وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى منهم وهم المؤمنون (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي : ذو العلو فلا رتبة إلا دون رتبته ، والكبرياء فليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه ، روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء صفقت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) قالوا الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة ويلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي من السماء» (١) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أراد الله أن يوحي بالأمر وتكلم بالوحي أخذت السماء رجفة ، أو قال : رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليهالسلام فيكلمه الله تعالى من وحيه بما أراد ، ثم يمر جبريل عليهالسلام على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل : فيقول جبريل عليهالسلام «قال الحق وهو العلي الكبير» فيقولون كلهم مثل ما يقول جبريل عليهالسلام ، فينتهي جبريل عليهالسلام بالوحي حيث أمره الله تعالى» (٢) وقال
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٧٠١ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٢٣ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ١٩٤.
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٥ / ١٥٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٩٤.