استضعافهم للأولين وهم الرؤوس المتبوعون (لَوْ لا أَنْتُمْ) أي : لو لا ضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) أي : باتباع الرسول تفسير لقوله تعالى : (يَرْجِعُ) فلا محل له قال ابن عادل : وأنتم بعد لو لا مبتدأ على أصح المذاهب وهذا هو الأفصح أعني وقوع ضمائر الرفع بعد لو لا أي : وغيره فصيح خلافا للمبرد حيث جعل خلاف هذا لحنا ، وأنه لم يرد إلا في قول زياد : وكم موطن لولاي والأقيس جعل الياء ضمير نصب أو جر قام مقام ضمير الرفع وسيبويه جعله ضمير جر.
ولما لم يتضمن كلامهم سوى قضية واحدة ذكر الجواب عنها بقوله تعالى :
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) على طريق الاستئناف (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ردا عليهم وإنكارا لقولهم إنهم هم الذين صدوهم (أَنَحْنُ) خاصة (صَدَدْناكُمْ) أي : منعناكم (عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) أي : على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام لم نفعل ذلك ؛ لأن المانع ينبغي أن يكون أرجح من المقتضى حتى يعمل عمله ، والذي جاء به الرسل هو الهدى والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئا يوجب الامتناع من قبول ما جاؤوا به فلم يصح تعلقكم بالمانع ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم ، والباقون بالإدغام وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان وفتحها الباقون ، وكذا الإظهار والإدغام في (إِذْ تَأْمُرُونَنا) [سبأ : ٣٢] وإذا وقف حمزة على (جاءَكُمْ) سهل الهمزة مع المد والقصر ، وله أيضا إبدالها ألفا مع المد والقصر (بَلْ كُنْتُمْ) أي : جبلة وخلقا (مُجْرِمِينَ) أي : كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا.
فإن قيل : إذ وإذا من الظروف الملازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافا إليها؟
أجيب : بأنه قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك : جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذ ويومئذ.
ولما أنكر المستكبرون بقولهم : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين واثبتوا بقولهم (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضعفون كما قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ردا لإنكارهم صدهم (بَلْ) أي : الصاد لنا (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : الواقع فيهما من مكركم فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم بنا ليلا ونهارا (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ