قَرِيبٌ) [الشورى : ١٧] أجيب : بأن الماضي كالأمس الدابر وهو من أبعد ما يكون إذ لا وصول إليه ، والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيها ، ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه ، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي بعد الألف بهمزة مضمومة والباقون بعد الألف بواو مضمومة فمعناه على هذا : كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريبا في الدنيا فضيعوه ، وأما من همز فقيل معناه هذا أيضا.
وقيل : التناؤش بالهمز من التنؤش الذي هو حركة في إبطاء يقال : جاء منئشا أي : مبطئا متأخرا والمعنى : من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه قال ابن عباس : يسألون الرد فيقال : وأنى لهم الرد إلى الدنيا من مكان بعيد أي : من الآخرة إلى الدنيا وأمال أنى محضة حمزة والكسائي ، وأبو عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح.
(وَقَدْ) أي : كيف لهم ذلك والحال أنهم قد (كَفَرُوا بِهِ) أي : بالذي طلب منهم أن يؤمنوا به محمد صلىاللهعليهوسلم أو القرآن أو البعث (مِنْ قَبْلُ) أي : في دار العمل (وَ) الحال أنهم حال كفرهم (يَقْذِفُونَ) أي : يرمون (بِالْغَيْبِ) ويتكلمون بما يظهر لهم في الرسول صلىاللهعليهوسلم من المطاعن وهو قولهم : ساحر وشاعر وكاهن ، وفي القرآن سحر شعر كهانة وقال قتادة : يعني يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : ما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة وهذا تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا ولا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه.
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) أي : من نفع الإيمان يومئذ والنجاة من النار والفوز بالجنة ، أو من الرد إلى الدنيا كما حكى عنهم (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) [السجدة : ١٢] ، وقرأ ابن عامر والكسائي بضم الحاء وهو المسمى بالإشمام والباقون بكسرها (كَما فُعِلَ) أي : بأيسر وجه (بِأَشْياعِهِمْ) أي : أشباهم من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل زمانهم فإن حالهم كان كحالهم ، ولم يختل أمرنا في أمة من الأمم بل كان كلما كذب أمة رسولها أخذناها فإذا أذقناهم بأسنا أذعنوا وخضعوا فلم يقبل منهم ذلك ولا نفعهم شيئا لا بالكف عن إهلاكهم ولا لإدراكهم شيئا من الخير بعد إهلاكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] ثم علل عدم الوصول إلى قصدهم بقوله تعالى : مؤكدا لإنكارهم أن يكون عندهم شيء من شك في شيء من أمرهم (إِنَّهُمْ كانُوا) أي : في دار القبول (فِي شَكٍ) أي : في جميع ما تخبرهم به رسلنا عنا من الجزاء والبعث وغير ذلك (مُرِيبٍ) أي : موقع في الريبة فهو بليغ في بابه كما يقال : عجب عجيب أو هو واقع في الريب كما يقال : شعر شاعر أي : ذو شعر فهو اسم فاعل من أراب أي : أتى بالريب أو دخل فيه أي : أوقعته في الريب ، ونسبة الإرابة إلى الشك مجاز قال الزمخشري : إلا أن بينهما فرقا وهو أن المريب من المتعدي منقول ممن يصح أن يكون مريبا من الأعيان إلى المعني ، ومن اللازم منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول شعر شاعر انتهى ، وقول البيضاوي تبعا للزمخشري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبي ولا رسول إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٦٠٣.