أمرها ليذبحن أحد ولده فخرج السهم على عبد الله ، فمنعه أخواله وقالوا له : افد ابنك بمائة من الإبل ولذلك سنت الإبل مائة والذبيح الثاني إسماعيل ، ونقل الأصمعي أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عقلك ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
وقد وصف الله تعالى إسماعيل عليهالسلام بالصبر دون إسحاق عليهالسلام في قوله تعالى (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الأنبياء : ٨٥] وهو صبره على الذبح ووصفه أيضا بصدق الوعد فقال : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) [مريم : ٥٤] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢] وقال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [هود : ٧١] فكيف تقع البشارة بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له؟ هذا يناقض البشارة المتقدمة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل : الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليهالسلام وعليه جمهور العلماء من الخلف والسلف قال ابن عباس : وزعمت اليهود أنه اسحق عليهالسلام وكذبت اليهود وما روي أنه صلىاللهعليهوسلم : «سئل أي النسب أشرف؟ فقال : يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله» (١) فالصحيح أنه قال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي ، وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم عليهالسلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى بلغ إسماعيل معه السعي أمر في المنام أن يذبحه قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم عليهالسلام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك قال لابنه (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) من الرأي : فشاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به قال ابن اسحق وغيره ولما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب شعب ثبير أخبره بما أمر. (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي : ما أمرت به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) أي : على ذلك ، وقرأ (يا بُنَيَ) حفص بفتح الياء ، والباقون بالكسر ، وقرأ (إِنِّي أَرى) نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء ، والباقون بالسكون ، وقرأ (ما ذا تَرى) حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء ، والباقون بفتحهما والحكمة في مشاورته في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله تعالى فيكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحد العظيم والصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا.
وقرأ يا أبت ابن عامر في الوصل بفتح التاء ، وكسرها الباقون والتاء عوض عن ياء الإضافة ، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وابن عامر ، ووقف الباقون بالتاء والرسم بالتاء وفتح ياء ستجدني في الوصل نافع ، وسكنها الباقون.
(فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أي الناس أكرم؟ قال : «أكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله». أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٦٨٩ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٧٨.