وقيل : إلى أن يأتيهم عذاب الله ، وقيل : إلى فتح مكة ، وقال مقاتل بن حيان : نسختها آية القتال.
(وَأَبْصِرْهُمْ) أي : إذا نزل بهم العذاب من القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة ، (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أي : ما قضيناه لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد.
ولما قيل لهم ذلك قالوا استهزاء : متى نزول العذاب؟ فقال تعالى تهديدا لهم : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) أي : إن ذلك الاستعجال جهل ؛ لأن لكل شيء من أفعال الله تعالى وقتا معينا لا يتقدم ولا يتأخر.
(فَإِذا نَزَلَ) أي : العذاب (بِساحَتِهِمْ) قال مقاتل : بحضرتهم ، وقيل : بفنائهم ، قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم فشبه العذاب بجيش هجم فأناخ بفنائهم بغتة (فَساءَ) أي : فبئس صباحا (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) أي : الكافرين الذين أنذروا بالعذاب ، وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لم يغر حتى يصبح ، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيها ومكاتلها ، فلما رأوه قالوا : محمد والله محمد والخميس ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات» (١).
وقوله تعالى : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) فيه وجهان أحدهما : أن في هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا وفي هذه الكلمة أحوال يوم القيامة على هذا فالتكرار زائل ، والثاني : أنها مكررة للمبالغة في التهديد والتهويل.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله أولا : (وَأَبْصِرْهُمْ) وههنا قال : (وَأَبْصِرْ) بغير ضمير؟ أجيب : بأنه حذف مفعول أبصر الثاني إما اختصارا لدلالة الأول عليه وإما اقتصارا تفننا في البلاغة.
ثم إنه تعالى ختم السورة بتنزيه نفسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهية فقال تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) أي : الغلبة والقوة وفي قوله تعالى : (رَبِ) إشارة إلى كمال الحكمة والرحمة ، وفي قوله تعالى (الْعِزَّةِ) إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث ؛ لأن الألف واللام في قوله تعالى : (الْعِزَّةِ) تفيد الاستغراق وإذا كان الكل ملكا له سبحانه لم يبق لغيره شيء فثبت أن قوله سبحانه وتعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي : أن له ولدا كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات وقوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) أي : المبلغين من الله تعالى التوحيد والشرائع تعميم للرسل بعد تخصيص بعضهم.
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وعلى ما أفاض عليهم ومن اتبعهم من النعمة وحسن العاقبة ، ولذلك أخره عن التسليم والغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يغفلوا عنه لما روى البغوي عن علي رضي الله
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصلاة حديث ٣٧١ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٢٠ ، ١٢١ ، والترمذي في السير باب ٣ ، والنسائي في المواقيت باب ٢٦ ، ومالك في الجهاد حديث ٤٨ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٠٢ ، ١١١ ، ١٦٤ ، ١٨٦ ، ٢٠٦ ، ٢٤٦ ، ٢٦٣.