ثم إن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالا فقالوا : نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها تضر وتنفع وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله تعالى من المقربين فنحن نعبدها لتشفع لنا أولئك المقربون عند الله تعالى فأجاب الله سبحانه عنه بقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا) أي : كلفوا أنفسهم بعد وضوح الدلائل عندهم (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : الذي لا مكافئ له ولا مداني (شُفَعاءَ) أي : تشفع لهم عند الله تعالى.
تنبيه : أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة (قُلْ) يا أشرف الخلق لهؤلاء البعداء (أَوَلَوْ) أي : أيشفعون ولو (كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً) أي : من الشفاعة وغيرها (وَلا يَعْقِلُونَ) أي : أنكم تعبدونهم ولا غير ذلك وجواب لو محذوف تقديره ولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم.
(قُلْ) أي : لهم (لِلَّهِ) أي : الذي له كمال القدرة والعظمة (الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أي : هو مختص بها فلا يشفع أحد إلا بإذنه ثم قرر ذلك فقال (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : فإنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم دون إذنه ورضاه (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي : يوم القيامة فيكون الملك له أيضا حينئذ.
ثم ذكر تعالى نوعا آخر من أعمال المشركين القبيحة بقوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ) أي : الذي لا إله غيره (وَحْدَهُ) أي : دون آلهتهم (اشْمَأَزَّتْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد : يعني انقبضت ، وقال قتادة : استكبرت وأصل الاشمئزاز النفور والاستكبار أي : نفرت واستكبرت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : لا يؤمنون بالبعث (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي : الأصنام (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي : يفرحون لفرط افتتانهم ونسيانهم حق الله تعالى ولقد بالغ في الأمرين حق الغاية فيهما ، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه والاشمئزاز أن يمتلئ غيظا وهما حتى ينقبض أديم وجهه. قال مجاهد ومقاتل : وذلك حين : «قرأ النبي صلىاللهعليهوسلم سورة والنجم وألقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلا ففرح به المشركون وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الحج».
تنبيه : قال الزمخشري : فإن قلت ما العامل في إذا ذكر ، قلت : العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجؤوا وقت الاستبشار. قال أبو حيان : أما قول الزمخشري فلا أعلمه من قول من ينتمي إلى النحو هو أن الظرفين معمولان لفاجؤوا ثم قال : إذا الأولى تنتصب على الظرفية والثانية على المفعول به.
ولما حكى الله تعالى عن هؤلاء الكفار هذا الأمر العجيب الذي تشهد فطرة العقل بفساده أردفه بذكر الدعاء العظيم فقال تعالى :
(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) َوَلَمْ يَعْلَمُوا