الوجه ويعم سائر الجسد (بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ) أي : كونا عظيما على ألسنة الرسل عليهمالسلام (تُوعَدُونَ) أي : يتجدد لكم ذلك كل حين بالكتب والرسل.
تنبيه : فيما ذكر دلالة على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث يكون فارغا من الأهوال والفزع الشديد.
فإن قيل : البشارة عبارة عن الخبر الأول بحصول المنافع فأما إذا أخبر الشخص بحصول المنفعة ثم أخبر ثانيا بحصولها كان الإخبار الثاني إخبارا ولا يكون بشارة والمؤمن قد يسمع بشارات الخير فإذا سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخبارا ولا يكون بشارة فما السبب في تسمية هذا الخبر بشارة؟ أجيب : بأن المؤمن قد يسمع بشارات الخير ولم يعلم بأن له الجنة فيكون ذلك بشارة ، أما إذا علم أنه من أهل الجنة بإخبار نبي فإنه إذا سمع هذا الكلام من الملائكة فإنه يكون إخبارا.
ولما أثبتوا لهم الخير ونفوا عنهم الضير عللوه بقولهم : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) أي : أقرب الأقرباء إليكم فنحن نفعل معكم كل ما يمكن أن يفعله القريب (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) نجلب لكم المسرات وندفع عنكم المضرات ونحملكم على جميع الخيرات ، فنوقظكم من المنام ونحملكم على الصلاة والصيام ونبعدكم عن الآثام ضد ما تفعله الشياطين مع أوليائهم (وَفِي الْآخِرَةِ) كذلك حيث تتعادى الأخلاء إلا الأتقياء.
قال السدي : تقول الملائكة عليهمالسلام : نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة. أي : لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة (وَلَكُمْ فِيها) أي : في الآخرة أي : في الجنة وقبل دخولها في جميع أوقات المحشر (ما تَشْتَهِي) ولو على أدنى وجوه الشهوات ، كما يرشد إليه حذف المفعول (أَنْفُسُكُمْ) من اللذائذ لأجل ما منعتموها من الشهوات في الدنيا (وَلَكُمْ فِيها) أي : في الآخرة (ما تَدَّعُونَ) أي : تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من القول.
وقوله تعالى : (نُزُلاً) حال مما تدعون أي : هذا كله يكون لكم نزلا كما يقدم إلى الضيف عند قدومه إلى أن يهيأ له ما يضاف به ، وأما ما يعطون فهو مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولما كان من حوسب عذّب فلا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى ، أشار إلى ذلك بقوله تعالى : (مِنْ) أي : كائن ذلك النزل من (غَفُورٍ) له صفة المحو للذنوب عينا وأثرا على غاية لا يمكن وصفها (رَحِيمٍ) أي : بالغ الرحمة وهو الله تعالى.
واختلف في تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) أي : من جهة القول (مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) أي : الذي عم بصفات كماله جميع الخلق ، فقال ابن سيرين والسدي : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله تعالى دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب إليه (وَعَمِلَ) أي : والحال أنه قد عمل (صالِحاً) في نفسه ليكون ذلك أمكن لدعائه (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) تفاخرا به وقطعا لطمع المفسدين ، وقال عكرمة : هم المؤذنون ، وقالت عائشة رضي الله عنها : إن هذه الآيات نزلت في المؤذنين ، وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه : وعمل صالحا صلى ركعتين بين الأذان والإقامة ، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه