أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله تعالى.
(وَإِنَّهُ) أي : عيسى عليهالسلام (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أي : نزوله سبب للعلم بقرب الساعة التي هي تعم الخلائق كلها بالموت فنزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها قال صلىاللهعليهوسلم : «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عادلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتهلك في زمنه الملل كلها إلا الإسلام» (١).
وروي : «أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها : أنيق وبيده حربة وعليه مخصرتان وشعر رأسه دهين يقتل الدجال ويأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر ، وروي في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليهالسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ثم يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به» (٢). وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» (٣). وقال الحسن وجماعة. وإنه أي : القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها ويخبركم أحوالها وأهوالها (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) حذف منه نون الرفع للجزم وواو الضمير لالتقاء الساكنين من المرية وهي الشك أي : لا تشكن فيها وقال ابن عباس : لا تكذبوا بها «واتبعوني» أي : أوجدوا تبعكم لي (هذا) أي : كل ما أمرتكم به من هذا أو غيره (صِراطٌ) أي : طريق واضح (مُسْتَقِيمٌ) أي : لا عوج له ، وقرأ أبو عمرو بإثبات الياء في الوصل دون الوقف والباقون بغير ياء وصلا وقفا.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي : عن هذا الطريق الواضح الواسع المستقيم الموصل إلى المقصود بأيسر سعي (إِنَّهُ لَكُمْ) أي : عامة وأكد الخبر لأن أفعال التابعين له أفعال من ينكر عداوته (عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي : واضح العداوة في نفسه مناد بها وذلك بإبلاغه في عداوة أبيكم آدم عليهالسلام حتى أنزلكم بإنزاله عن محل الراحة إلى موضع النصب عداوة ناشئة عن الحسد فهي لا تنفك أبدا.
(وَلَمَّا جاءَ عِيسى) أي : إلى بني إسرائيل (بِالْبَيِّناتِ) أي : المعجزات أي : بآيات الإنجيل وبالشرائع الواضحات (قالَ) منبها لهم (قَدْ جِئْتُكُمْ) بما يدلكم قطعا على أني آية من عند الله وكلمة منه (بِالْحِكْمَةِ) أي : الأمر المحكم الذي لا يستطاع نقضه ، ولا يدفع بالمعاندة لأخلصكم بذلك مما وقعتم فيه من الضلال (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ) أي : بيانا واضحا (بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ) أي : الآن (فِيهِ) ولا تزالون تجددون الخلاف بسببه ، فإن قيل : لم لم يبين لهم كل الذي يختلفون فيه؟.
أجيب : بأنه بين لهم كل ما يكون من أمر الدين لا ما يتعلق بأمر الدنيا فإن الأنبياء لم تبعث لبيانه ، ولذلك قال نبينا صلىاللهعليهوسلم : «أنتم أعلم بأمر دنياكم» (٤). ويحتمل أن يكون المراد أنه يبين لهم
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٤٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٥٥ ، وأبو داود في الملاحم حديث ٤٣٢٤.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٣) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٤٩ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٥٥.
(٤) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٢٣٦٣ ، وابن ماجه في الأحكام حديث ٢٤٧١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢١٨٢.