الزمخشري أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا ، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان» (١). ثالثها : نزول الرحمة قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» (٢). رابعها : حصول المغفرة فيها قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا الكاهن والساحر ومدمن الخمر وعاق والديه والمصر على الزنا» (٣). خامسها : أنه تعالى أعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الليلة تمام الشفاعة في أمته ، قال الزمخشري : وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد عن الله شرود البعير.
وروي أن عطية الحروري سأل ابن عباس عن قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور فقال ابن عباس : يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع في نفسك هذا ولم تحرجوا به لهلكت ، نزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور في السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالا فحالا ، وقال قتادة وابن زيد : أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم نجوما في عشرين سنة وقوله تعالى (إِنَّا) أي : على ما لنا من العظمة (كُنَّا) أي : دائما لعبادنا (مُنْذِرِينَ) أي : مخوفين استئناف بين به المقتضى للإنزال.
وكذلك قوله تعالى : (فِيها) أي : الليلة المباركة سواء قلنا إنها ليلة القدر أو ليلة النصف (يُفْرَقُ) أي : ينشر ويبين ويفصل ويوضح مرة بعد مرة (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي : محكم الأمر لا يستطاع أن يطعن فيه بوجه من جميع ما يوحي به من الكتب وغيرها والأرزاق والآجال والنصر والهزيمة والخصب والقحط وغيرها من جميع أقسام الحوادث وجزئياتها في أوقاتها وأماكنها ، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيمانا ، قال ابن عباس : يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال : يحج فلان ويحج فلان ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل عمل وأجل وخلق ورزق وما يكون في تلك السنة ، وقال عكرمة : ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد قال صلىاللهعليهوسلم : «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح النساء ويولد له وقد خرج اسمه في ديوان الموتى» (٤).
وعن ابن عباس : إن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ، وروي : أن الله تعالى أنزل القرآن من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ووقع الفراغ
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٤٨.
(٣) انظر الحاشية السابقة.
(٤) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٢٨٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٤٢٧٨٠ ، وابن كثير في تفسيره ٧ / ٢٣٢ ، والقرطبي في تفسيره ١٦ / ١٢٦.