النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) ، والباقون بياء الغيبة ردوه على قوله تعالى (وَفِي خَلْقِكُمْ) وهو أقوى تبكيتا.
ولما بين الآيات للكفار وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بها بعد ظهورها فبأي حديث بعدها يؤمنون؟ أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) أي : مبالغ في صرف الحق عن وجهه (أَثِيمٍ) أي : مبالغ في اكتساب الإثم وهو أن يبقى مصرا على الإنكار والاستكبار ، قال المفسرون : يعني النضر بن الحارث والآية عامة فيمن كان موصوفا بهذه الصفة.
وفسر هذا بقوله تعالى : (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) أي : دلالات الملك الأعظم الظاهرة حال كونها (تُتْلى عَلَيْهِ) بجميع ما فيها وهي القرآن من سهولة فهمها وعذوبة ألفاظها وظهور معانيها وجلالة مقاصدها مع الإعجاز وهي القرآن العظيم ، فكيف إذا كان التالي أشرف الخلق ، وقرأ حمزة والكسائي بإمالة محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح (ثُمَّ يُصِرُّ) أي : يدوم دواما عظيما على قبح ما هو فيه حال كونه (مُسْتَكْبِراً) أي : طالبا للكبر عن الإذعان وموجدا له (كَأَنْ) أي : كأنه (لَمْ يَسْمَعْها) أي : حاله عند السماع وقبله وبعده على حد سواء (فَبَشِّرْهُ) أي : على هذا الفعل الخبيث (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم ، والبشارة على الأصل أو التهكم ، وقرأ ابن كثير وحفص (أَلِيمٍ) بالرفع والباقون بالجر.
(وَإِذا عَلِمَ) أي : بلغه (مِنْ آياتِنا) أي : القرآن (شَيْئاً) وعلم أنه من آياتنا (اتَّخَذَها هُزُواً) أي : مهزوا بها.
تنبيه : في الضمير المؤنث وجهان ؛ أحدهما : أنه عائد على (آياتِنا) يعني القرآن ، والثاني : أنه يعود على (شَيْئاً) وإن كان مذكرا لأنه بمعنى الآية كقول أبي العالية (١) :
نفسي بشيء من الدنيا معلقة |
|
الله والقائم المهدي يكفيها |
لأنه أراد بشيء جارية يقال لها : عنبة ، والمعنى : اتخذ ذلك الشيء هزوا إلا أنه تعالى قال : (اتَّخَذَها) للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات المنزلة على محمد صلىاللهعليهوسلم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد.
وقوله تعالى (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : ذو إهانة إشارة إلى معنى (لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء : ٢٢٢] ليدخل فيه جميع الأفاكين ، فحمل أولا على لفظها فأفرد ثم على معناها فجمع كقوله تعالى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢].
ثم وصف تعالى كيفية ذلك العذاب فقال : (مِنْ وَرائِهِمْ) أي : أمامهم لأنهم في الدنيا (جَهَنَّمُ) قال الزمخشري : والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام قال (٢) :
أليس ورائي إن تراخت منيتي |
|
أدبّ مع الولدان أزحف كالنسر |
ومنه قوله تعالى (مِنْ وَرائِهِمْ) أي : من قدامهم ا. ه ثم بين تعالى أن ما سلكوه في الدنيا لا ينفعهم بقوله تعالى : (وَلا يُغْنِي) أي : ولا يدفع (عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من الأموال في رحلهم ومتاجرهم والأولاد (شَيْئاً) من الإغناء. وقوله تعالى : (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أي :
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لأبي العتاهية في الأغاني ٣ / ٢٥١.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.